عادي

عذب الكلام

23:04 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

منَ المَدْحِ البَليِغِ المُوجَز، قولُ مُحَمَّد بن بَشِير الخارِجيّ:

يا أيُّها المُتَمنّي أَن تَكونَ فَتىً

مِثْلَ ابنِ زَيدٍ لَقَدْ خَلَّى لكَ السُّبُلا

أعْدُدْ نَظائِرَ أخْلاقٍ عُدِدْنَ لَهُ

هَلْ سَبَّ مِنْ أحَدٍ أَو سُبَّ أَو بَخِلا

اختصر أخلاق ممدوحه بكلمات قليلة، وقول أبي الهيثم البغداديّ:

عَلَّم الغَيْثَ النَّدى حَتَّى إِذا

ما حَكاهُ عَلَّمَ البأسَ الأسَدْ

فَلَهُ الغَيْثُ مُقِرُّ بالنَّدَى

ولَهُ اللَّيثُ مُقِرُّ بالجَلَدْ

ومثله قولُ ابن العميل:

يا مَنْ يؤمَّل أنْ تكونَ خِصَالُهُ

كخِصَالِ عبدالله: أنصِتْ واسْمَعِ

فَلَا نَصَحْتُكَ فِي المَشُورةِ والَّذِي

حَجَّ الحَجيجُ إِلَيْهِ فاقْبَلْ أودَعِ

اصدُقْ وعِفَّ وبرَّ واصْبِر واحتَمِلْ

واحلمْ وكُفَّ ودَارِ واسْمحْ واشْجَعِ

درر النظم والنّثر

أَما لِجَميلٍ

أَبو فِراسِ الحَمَدانِيّ ( من الطويل)

أَما لِجَميلٍ عِندَكُنَّ ثَوابُ

ولا لِمُسيءٍ عِندَكُنَّ مَتابُ

لَقَدْ ضَلَّ مَنْ تَحْوي هَواهُ خَريدَةٌ

وقَد ذَلَّ مَنْ تَقضي عَلَيهِ كَعابُ

ولَكِنَّني والحَمْدُ لِلَّهِ حازِمٌ

أَعِزُّ إِذا ذَلَّتْ لَهُنَّ رِقابُ

ولا تَمْلِكُ الحَسناءُ قَلْبِيَ كُلَّهُ

وإِن شَمِلَتها رِقَّةٌ وشَبابُ

إِذا الخِلُّ لَم يَهْجُرْكَ إِلّا مَلالَةً

فَلَيْسَ لَهُ إِلّا الفِراقَ عِتابُ

ولَيْسَ فِراقٌ ما اسْتَطَعتُ فَإِنْ يَكُنْ

فِراقٌ على حالٍ فَلَيْسَ إِيابُ

صَبورٌ ولَوْ لَمْ تَبْقَ مِنّي بَقِيَّةٌ

قَؤولٌ ولَوْ أَنَّ السُّيوفَ جَوابُ

وَقورٌ وأَحداثُ الزَّمانِ تَنوشُني

ولِلْمَوتِ حَوْلي جيئَةٌ وذَهابُ

بِمَن يَثِقُ الإِنْسانُ فيما يَنوبُهُ

ومِنْ أَينَ لِلْحُرِّ الكَريمِ صِحابُ

تَغابَيْتُ عَنْ قَوْمي فَظَنّوا غَباوَتي

بِمَفرِقِ أَغْبانا حَصىً وَتُرابُ

ولَوْ عَرَفوني حَقَّ مَعْرِفَتي بِهِمْ

إِذن عَلِموا أَنّي شَهِدْتُ وغابوا

من أسرار العربية

جَمعُ التّكسير في اللّغة، ما دلَّ على أكثر من اثنين، وتغيّر بناءُ مُفْرده، إمّا بزيادة على أصوله، نحو: «قَلْب قُلوب» و«قَلَم أقْلام»، و«عَيْن – أعْيُن»، كقول كعب بن زهير مادحاً الأنصار:

والنّاظِرينَ بِأَعيُنٍ مُحَمَرَّةٍ

كَالجَمرِ غَيرِ كَليلَةِ الإِبصارِ

وإمّا بنقص عن أصوله، نحو: «قِيمة قِيَم» و«شِيمَة شِيَم»، كقول المتنبّي:

شِيَمُ اللّيالي أنْ تُشكِّكَ ناقَتي

صَدْري بها أفضَى أمِ البَيداءُ

وإمّا باختلاف الحركات مع الزيادة، نحو: «مِصْباح مَصابيح» و«مِفْتاح مفاتيح»، وإمّا باختلاف الحركات مع النقصان، نحو: «رَسول رُسُل» و«صَحيفة صُحُف»، وإمّا باختلاف الحركات دون زيادة أو نقصان، نحو: «أَسَد أُسْد» و«وَثَن وُثْن».

هفوة وتصويب

يكثرُ استخدامُ كلمة «ِضدّ»، في غَيْرِ الصوابِ، كأن يقول بعضُهم: «حاربنا ضِدَّ الإرهابيين»، و«شنَّ الجيشُ هُجوماً ضِدَّ العَدوّ».. وسواهما. والصواب «حاربنا الإرهابيينَ» و«شنّ الجيشُ هجوماً على العَدوَّ»، لأن كُلَّ شيءٍ ضادَّ شيئاً ليغلبَه، فهو ضِدُّه؛ فالسّوادُ ضِدُّ البياض، والموتُ ضِدُّ الحياة، والليلُ ضِدُّ النهار. والجمع أَضدّاد؛ قال المنجيّ:

فالوجهُ مِثْل الصُّبْحِ مُبيَضُّ

والشَّعْر مِثلُ الليلِ مُسْودُّ

ضِدّانِ لمّا استَجمَعا حَسُنا

والضِدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِدُّ

يقول بعضُهم «رَغَبْتُ بكذا»، بمعنى أردت وتمنّيت. الفعل «رَغِبَ» يأتي على أنماط ثلاثة: رَغِبَ في: أرادَ وأحَبَّ. ورَغِبَ عَنْ: كَرِهَ وتَمَنّعَ. ورَغِبَ إلى: تَضرّع وطلبَ. والرُّغْبُ، بالضَّمّ: كَثْرةُ الأَكْلِ، وشِدَّةُ الشَّرَهِ.

من حكم العرب

وإن كنْتَ تَبْغي العَيْش فابْغِ تَوَسُّطاً

فَعِنْدَ التَّناهي يَقْصُرُ المُتطاوِل

تُوقّى البُدورُ النّقْصَ وهْيَ أهِلَّةٌ

ويُدْرِكُها النُّقْصانُ وهْيَ كَواملُ

البيتان لأبي العلاء المعرّي، يقول فيهما إن التماسِ الوسطيّة، والاعتدالِ في القولِ والسُّلوك، ضروري لممارسة حياتنا الطبيعية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2bksvkbb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"