الميتافيرس.. إعلام المستقبل

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ندى أحمد جابر *

بعد القفزة الفضائية التي شهدها الإعلام في بداية عصر الإنترنت، حيث بدأ زمن الورق بمفارقة عُشاقه وأصبحت الشاشات بديلاً لا غنى لنا عنه.. حتى برامج التلفزيون لم تعد تستمتع بِتجمع المشاهدين أمام شاشتها، بيمنا أصبح اليوتيوب بديلاً مريحاً يُساعد المُشاهد على متابعة ما يُحب حَسب توقيته هو لا توقيت المحطات.. وبدأ زمن الإذاعة يُغادر؛ فشهدنا توقف بعض المحطات الإذاعية لل(بي بي سي) التي كانت أول إذاعة عالمية تنطق بالعربية منذ العام 1938، لتكتفي تدريجياً بالتلفزيون الذي بدوره بدأ يُعّرف عن نفسه بأنه (مِنصة شاملة). كل تلك المتغيرات التي قلبت وجه الإعلام التقليدي. سنكون قريباً أمام قفزة جديدة في فضاء أكبر تتسع فيه الشاشات لتأخذنا إليها. لن نكون وراء الشاشة.. بل سندخلها ونتجول فيها، سنشاهد الحفلات الحيّة من داخل الصالات نفسها نَحجز التذاكر ونتفاعل مع الأصدقاء رغم أننا لم نُغادر مقاعدنا. هل يبدو الأمر خيالياً وبعيداً؟ أمّا خيالياً؛ فكل ما هو خيال علمي مرشح لأن يصبح واقعاً معززاً.. وأمّا بعيداً؛ فقد قرّبت دولة الإمارات هذا البعيد، منذ أن كشفت بلدية دبي عن خططها لإنشاء مدينة «ميتا فيرس» افتراضية، بهدف توفير بديل يُتيح للسكان إمكانات التواصل وتبادل الأفكار، وفي إعلان (طيران الإمارات) عن تحويل جناحها في مدينة (إكسبو) إلى مركز للابتكار لتوفير تجارب متنوعة في عالم الميتا فيرس.

نعم بدأت بشائر المستقبل مع شركات المهرجانات ومنصات الترفيه، التي تركز أنشطتها القادمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نظراً لأن أهل الخليج يمثلون الجزء الأساسي من استخدام المنصات. وبدأت بالفعل الشركات بدمج تقنيات «الميتافيرس» من خلال تحويل فعاليات صوتية إلى تجارب فيديو ثلاثية الأبعاد، وأعلنت منصة (وآلف) (Wolf) في عام 2021 عن دخولها عالم «الميتا فيرس» تزامناً مع إطلاق ميزة (شو ريل) (show Real). وفي هذا السياق قال (غاري نايت) (Gary Night) الرئيس التنفيذي لشركة (وآلف) عن ثقته بدولة الإمارات، وأشاد بدور الدولة كمركز عالمي لاحتضان المواهب الإبداعية. وقد حققت (وآلف ستريم) أكثر من 77 مليون مشاهدة، رغم ما تتطلب هذه التقنية من سماعات رأس ونظارات خاصة.

إن تجربة (وآلف) والأعداد الكبيرة التي تابعتها رغم غموض مفهوم الميتافيرس عند الكثيرين جعلتنا نعود إلى دراسة كيف سيكون مستقبل الإعلام في ظل هذه التطورات الجديدة؟

تعلمنا أن الإعلام بدأ بالانتشار في القرن العشرين، كوسيلة لنقل المعلومات والأخبار ثم انتقل إلى الترفيه والتسلية ليصبح جزءاً أساسياً من حياة المجتمعات. ومع تطور التكنولوجيا أصبح الإعلام والتكنولوجيا متلازمين بشكل كبير. أما «الميتا فيرس» فهو عالم افتراضي لا يعتمد على وجود فعلي. من أهم مزايا إعلام المستقبل التفاعلية الحيّة التي تفتح أبواب الابتكار والإبداع بطرق جديدة تساعدها في ذلك تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث يَعِد الذكاء الاصطناعي بتحسين جودة جمع المعلومات وتحليلها وبالتالي سيتمكن الصحفيون من الوصول إليها بسرعة، خاصة السياسية والاقتصادية ما يعزز النشر. ومع ذلك يجب الانتباه إلى أن الصحافة بحاجة إلى الحس الإنساني والجودة الإبداعية البشرية، بكلمة أخرى إلى روح النص.

من المخاوف التي يتوقعها المحللون أن إعلام الغد سيكون مؤثراً جداً، كون المتلقي موجوداً داخل الحدث وقد يؤدي إذا ما تم استخدامه بشكل غير أخلاقي إلى السيطرة على الرأي العام وتوجيهه. ومن المخاوف أيضاً أن إعلام «الميتافيرس» قد يأخذ المتلقي إلى الإدمان خاصة على الأنشطة الترفيهية وقد يشجع على العنف والسلبية، لذلك ستكون مسؤولية الإعلاميين كبيرة؛ إذ ستكون الوسائل جذابة ومسلية ومؤثرة. وفي هذا يدعو الكاتب (جين اجليز) في كتابه «نقل الحدود» إلى مراجعة المفاهيم الحديثة للإعلام والثقافة وكيف تأثرت هذه المفاهيم بالتطور التكنولوجي والثقافي في العالم، ويعطي فرصة للتفكير في كيفية التعامل معها وتحقيق التوازن في عالم يتغير بسرعة فائقة، عالم سيكون الإعلام فيه سلاحاً مُسيطراً.

مستقبل الإعلام سيحمل الجديد معه، لكن وسائل الإعلام التقليدية لن تندثر بل ستندمج في عالم افتراضي ساحر. وفي رأي الكاتب الأمريكي نيل ستيفنسون في روايته “ snow crash” وهي من نوع الخيال العلمي،أن الإنسان سيكون بحاجة مستمرة للتحدي والإنجاز.. تفوّق الذكاء الاصطناعي سيكون حافزاً لتفوق الإبداع البشري.. لكنه يتساءل كيف ستكون المعتقدات الدينية والأخلاقية في مستقبل يحكمه الذكاء الاصطناعي؟ ونسأل إعلام المستقبل الواعد بمجد الذكاء.. هل سيحتفظ بقوة الضمير؟

* كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/47vxyuye

عن الكاتب

كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"