تطرف يقود إلى انتفاضة

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شرّاب

الثورات والانتفاضات والهبّات الجماهيرية، صفة ملازمة لتاريخ الشعب الفلسطيني في مواجهة الهجرة اليهودية، ثم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وما زالت هذه الحالات مستمرة حتى اليوم بهدف إنهاء الاحتلال، فيما تزداد التحذيرات من انتفاضة ثالثة لن تكون كسابقاتها، بل قد تمتد تداعياتها إلى المنطقة بأكملها، وتخلق حالة من استعادة البعد الشعبي العربي الداعم للقضية الفلسطينية. احتمالات هذه الانتفاضة تزداد مع نجاح نتنياهو وحزبه في الانتخابات الخامسة الأخيرة، وتشكيله حكومة إسرائيلية أكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ إسرائيل، فهي حكومة تضم القوة الصهيونية الدينية والأحزاب الحريدية، وتولي قيادات اليمين المتطرف لأول مرة وزارات تتحكم في الاستيطان والمالية بتولي بن غفير وزارة الأمن وسموتريتش المالية.

كل المؤشرات تدفع في اتجاه هذه الانتفاضة. ولعله من المفيد التذكير أولاً بالانتفاضة الأولى عام 1987 التي كانت محصلتها اتفاقات أوسلو. والانتفاضة الثانية في سبتمبر(أيلول) 2000 في أعقاب اقتحام شارون وجنوده باحات المسجد الأقصى، وفشل لقاءات كامب ديفيد الثلاثية بين الرئيس عرفات وباراك برعاية الرئيس الأمريكى كلينتون. ولعل سببها المباشر الانسداد السياسي وفشل اتفاقات أوسلو بتحقيق هدف قيام الدولة الفلسطينية وزيادة وتيرة الاستيطان، ولا نذهب بعيداً إذا قلنا أن ثمنها كانت حياة الرئيس عرفات نفسه، بالهجوم العسكري الشامل وحصار المقاطعة. والسؤال، هل يتكرر هذا السيناريو اليوم مع مؤشرات أكبر لاندلاع الانتفاضة، وما هي تداعيات ونتائج اندلاع انتفاضة جديدة؟

نحن أمام أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً وعنصرية، تؤمن بالاستيطان والتهويد ومصادرة الأرض، وتمارس الانتهاكات اليومية للمقدسات وترفض أي حديث عن تسوية أو سلام عادل، أو قيام دولة فلسطينية وتحرض على الكراهية ضد العرب، بل تؤمن بالوطن البديل في الأردن. كل ذلك سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى حالة فلسطينية جديدة تخرج عن أي مسار سلمي كردٍّ على محاولات تصفية القضية الفلسطينية وبالتالي حقوق الشعب الفلسطيني. لذلك قد تكون الانتفاضة وسيلة وحيدة لتأكيد الوحدة الوطنية وتحقيق الانصهار الكامل بين الشعب الفلسطيني في مواجهة العنت الإسرائيلي وصلف قوات الاحتلال والمستوطنين. وما يدفع في اتجاه الانتفاضة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة وارتفاع نسب البطالة والفقر وعدم قدرة السلطة الفلسطينية على تلبية الاحتياجات الرئيسة للمواطنين.. هذه المؤشرات لا يمكن تجاهلها والقفز فوقها، فالسمة الأساسية من سمات وملامح الشخصية الفلسطينية هي رفض الاحتلال الذي سيبقى السبب الرئيس في اندلاع الانتفاضة الثالثة.

وما يؤكد الذهاب نحو هذا السيناريو، التصريحات والتحليلات التي تخرج من إسرائيل ذاتها وتحذر من تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، فاللواء احتياط تامير هيمان الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية حذر من أن هناك مؤشرات واضحة على اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، و«أن الساحة الفلسطينية تزداد اشتعالاً أكثر مما يتصوره السواد الأعظم من الجمهور». وتقول مسؤولة الشؤون الفلسطينية في صحيفة «يسرائيل هيوم» إن حملات الاعتقال التي كانت في السابق لم تعد كذلك اليوم، حيث تعقدت الأمور وصارت الكثير من عمليات الاعتقال شمال الضفة أكثر خطورة، ووصفت المقاومين المطلوبين بأنه «يصعب كسرهم». وأما آفي زخاروف محلل الشؤون الفلسطينية في «يديعوت أحرنوت» فيقول إن جيش الاحتلال بدأ «يصطدم بنوع آخر من المقاومين يمتازون بأنهم أكثر جرأة ويسعون للمواجهة ويرفضون الاستسلام»، ووصفهم بالجيل الثالث الذين «لا يهمهم انكشاف شخصياتهم على منصات التواصل، وكيف تحولت شخصية إبراهيم النابلسي أيقونة للجميع». ويضيف: «إن انتشار العمليات من جنين حتى نابلس وسلواد ورام الله، قد يخرج عن السيطرة ويعيد إلى الذاكرة العمليات الكبيرة».

الخلاصة، إن الانتفاضة الثالثة بدأت إرهاصاتها، ولا أحد يتحدث عن استبعاد هذا الخيار، ويبقى التساؤل عن شكلها وتداعياتها ونتائجها المحتملة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4nze74un

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"