اقتتال من دون مبررات كافية

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناصر زيدان

سيكون لتداعيات الحرب التي بدأت في 15 إبريل/ نيسان في السودان نتائج وخيمة، وهي تنذر بتفلّت الأوضاع إلى فوضى لا يمكن تصوّرها في بلدٍ يعاني أهله فقراً، وجوعاً، واضطراباتٍ حزبيةً وجهوية، وهو لم يلتقط أنفاسه بعدُ جرّاء الشلل الذي حدث إبّان انتفاضة عام 2019 التي أدت إلى خلع الرئيس عمر البشير الذي حكم البلاد 30 سنة، وعزلها عن محيطها وعن غالبية دول العالم، ودمَّر اقتصادها، وساهم في إنتاج الثنائية الأمنية القائمة حالياً انطلاقاً من تشجيعه على تأسيس ميليشيات غير نظامية ساعدته في الحرب الشرسة في إقليم دارفور غرب السودان.

   الحرب بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو لا مبررات كافية لها، ويجب أن تتوقف؛ لأن تداعياتها أخطر مما يتصوره البعض؛ ولأن أوهام تحقيق الحسم العسكري الذي يتحدث عنه الفريقان بعيدة المنال بصرف النظر عن إمكانية تحقيق تقدّم أو خروقات ميدانية لصالح أحد الفريقين هنا أو هناك؛ ذلك أن الأرضية مهيأة لاشتعال حرب أهلية شاملة لو استمرت الفوضى، وهناك استعدادات ميدانية متسارعة في العديد من الولايات والقبائل لامتلاك السلاح وللمشاركة في الحرب؛ لتحقيق طموحات ذاتية، أو لتقديم خدمات عسكرية لأحد طرفي النزاع القائم.

  وبصرف النظر عن التوصيفات التي يستخدمها فريقا النزاع ضد بعضهما البعض لا يمكن إنكار واقعة المشروعية التي يتمتع بها الفريقان؛ فقوات الجيش النظامي لها مهامها التي يحددها الدستور والقوانين المرعية، وقوات الدعم السريع نظامية وشُرّع عملها بقانون، وقد قاتلت المتمردين نيابة عن الحكومة في أقاليم دارفور، وجنوب كردفان، وولاية النيل الأزرق منذ عام 2013. هذه الوضعية تزيد من خطورة الحالة القائمة، وتربك القوى الخارجية التي تريد مساعدة السودان في الخروج من محنته.

   فريقا الحرب اللذان يتبادلان أشد أنواع الاتهامات كانا حليفين، وقد تعاونا على التخلص من الرئيس البشير، كما تبادلا الأدوار في مواجهة الانتفاضة الشعبية عام 2019، وتشاركا في ترسيخ الهدوء في الفترة الانتقالية التي نصّت عليها اتفاقية جوبا للسلام عام 2020، حتى أن الانقلاب الذي تمّ تنفيذه في 25 أكتوبر 2021 ضد حكومة عبد الله حمدوك المدنية كان بالاتفاق بين الطرفين.

  يبدو أن مسار الاندماج بين القوى العسكرية كافة، الذي تعهّد به البرهان ودقلو خلال التوقيع على تفاهم 5 ديسمبر 2022 أمام ممثلين عن 50 حزباً سودانياً لم يسرِ كما كان مقرراً، ودب الخلاف بينهما حول الدمج، وآلياته، ومدته.

 لم تجد الأطراف الخارجية حتى الآن أي فوارق موضوعية بين نهج كلّ من البرهان ودقلو، بما فيهم الأصدقاء التقليديون للطرفين. وغالبية الشعارات التي طرحها هؤلاء جديدة، خصوصاً اتهام البرهان دقلو بأنه يحاول الاستيلاء على السلطة، واتهام دقلو البرهان بأنه يحاول إعادة النظام السابق ورموزه للتحكّم في كامل مفاصل السلطة. والحيرة التي تحيط بأصدقاء السودان وأشقائه لن تستمر إلى أمد طويل؛ لأن نتائج الحرب قد تفرز معطيات لا يمكن تصوّرها، وبالتالي فهؤلاء ملزمون بتحديد خيارات تُجنِّب الشعب السوداني المزيد من المآسي والويلات، وتحفظ وحدة الدولة المهددة حكماً إذا ما استمرت الحرب.

في الأيام الأولى للحرب العبثية برزت مجموعة من التجاوزات لا يمكن السكوت عنها، وهي تفتقد إلى الحد الأدنى من الانضباط العسكري الذي تفرضه القوانين الدولية؛ فقد تعرّضت بعثات دبلوماسية للاعتداء والحصار، كما قُتل 3 من موظفي أعمال الإغاثة الإنسانية التابعين للأمم المتحدة، وتعرّضت مشافٍ في العاصمة وبعض المدن للهجمات العسكرية، ونفذّت القوى المتصارعة اعتداءات على فرق الإسعاف المحايدة، بما في ذلك أثناء فترة الهدنة التي أُعلنت بمناسبة عيد الفطر.

الأخطار الخارجية لاستمرار الحرب كبيرة جداً، وهي لم تبدأ في الظهور الفعلي بعدُ؛ فالسودان يقع في قلب القارة الإفريقية، وهو جزء من العالم العربي، ويتوسّط منطقة فيها نزعات دولية كبيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2pu6vdjt

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"