هل ستتخلف أمريكا عن سداد ديونها؟

21:36 مساء
قراءة 3 دقائق

في ديسمبر/ كانون الأول 2021، رفع الكونغرس الأمريكي حد الدين الحكومي الفيدرالي بمقدار 2.5 تريليون دولار، إلى نحو 31.4 تريليون دولار؛ لكن هذا السقف استُنزِف قبل الأوان. وفي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، دعت وزيرة الخزانة جانيت يلين، الكونغرس إلى رفع الحد القانوني للديون في البلاد إلى مستوى عالٍ يغطي التزام الحكومة بسداد ديون دائنيها إلى ما بعد انتخابات 2024. وقد أخطرت الوزيرة، الكونغرس أن البلاد سيصل سقف ديونها يوم الخميس 19 يناير/ كانون ثاني 2023، أي قبل الموعد المفترض في شهر يونيو/ حزيران 2023. وإذا لم يفتح الكونغرس السقف فوق الحد الذي تم بلوغه، فإن الوزارة سوف تضطر في المرحلة الأولى للعمل ببعض «التدابير الاستثنائية» لتجنب التخلف عن السداد. وكانت الوزيرة الأمريكية صرّحت لمراسل شبكة «ABC»، يوم الاثنين، 6 فبراير/ شباط 2023، بأن «أمريكا دفعت جميع فواتيرها في الوقت المحدد منذ عام 1789، وعدم القيام بذلك سيؤدي إلى كارثة اقتصادية ومالية». وهذا ما أكده كبير الاقتصاديين الأمريكيين في JPMorgan Chase، حين قال إنه «من المرجح تماماً أن يؤدي ذلك إلى حدوث أزمة مالية حادة».

التدابير الاستثنائية التي أشارت إليها الوزيرة الأمريكية، في حال لم تحصل الوزارة على طلبها بفتح سقف الاقتراض، لا تعدو أن تكون مناورات، وحِيل مشكوك للغاية في فعاليتها، وفي تجنيب أمريكا حرج عدم احترام الالتزامات تجاه الدائنين وتجاه قواعد القانون الدولي. لأن الأمر يتعلق بانتقاء بعض الديون لسدادها على حساب أخرى مستحقة الدفع في الموعد نفسه.

واعتادت وزارة الخزانة الأمريكية المسؤولة عن إصدار وسداد سندات الخزانة الأمريكية، على مواجهة مثل هذا الوضع على مر السنوات القليلة الماضية، وكانت تنجح في كل مرة في الحصول على موافقة الكونغرس لزيادة سقف الاقتراض، والحفاظ على مكانة الدولار ومصداقية البلاد في النظام المالي العالمي. لكن الأمر يختلف هذه المرة، بسبب اتخاذ الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس النواب، من القضية، فرصة للانتقام لزعيمهم، دونالد ترامب، وتصفية حسابات مع الديمقراطيين. ومقارنة بعام 2011، تقدم الصين اليوم بديلاً أكثر جاذبية للأسواق المالية الأمريكية، لسبب وجيه، وهو أنها باتت مفتوحة لتدفقات السندات الأجنبية والأسهم بطريقة لم تكن كذلك في ذلك الوقت. وبعد أن أنهت الصين إغلاقاتها المرتبطة بجائحة كورونا، صار سوق سنداتها الحكومية الذي يقارب 4 تريليونات دولار يتمتع بمجال واسع لاستقطاب المستثمرين الأجانب.

الجمهوريون، يشترطون لتمرير طلب الديمقراطيين، إحداث تخفيضات كبيرة في الإنفاق، أي تجريد الديمقراطيين من إحدى أهم أدوات تطبيق سياسة التوسع الاقتصادي، اتساقاً مع منظورهم المسمى «اقتصادات جانب الطلب» (Demand-Side Economics)، بحقن النمو باستثمارات في البنية التحتية وفي مشاريع الطاقة المتجددة. فما هو سقف الدين “Debt ceiling or debt limit”؟ هو السقف أو الحد الأقصى للمبلغ الإجمالي للأموال التي يُسمح للحكومة الفيدرالية باقتراضها عبر سندات الخزانة الأمريكية، للوفاء بالتزاماتها المالية، نظراً لمعاناة أمريكا من عجز في الميزانية يتعين عليها أن تقترض مبالغ ضخمة لتغطيته.

الآن، وبحسب يلين، أمريكا لم تعد اعتباراً من 19 ينيار/ كانون ثاني 2023، قادرة على إصدار سندات دين بعد استنفاد سقف اقتراضها المسموح به من قبل الكونغرس. فما الذي سيحدث إذا لم تتم زيادة سقف الاقتراض بسبب تعنت الجمهوريين؟ وزارة الخزانة الآن تعمل بمبدأ المفاضلة في سداد جزء من الديون التي حان موعد استحقاق سدادها. لكن، بمجرد استنفاد الحكومة لإجراءاتها الاستثنائية ونفاد النقد، فإن الحكومة لن تكون قادرة على إصدار ديون جديدة ودفع فواتيرها. هنا، يمكن أن ينتهي الأمر بالحكومة للتخلف عن السداد «Debt default»، إذا وجدت نفسها غير قادرة على سداد المدفوعات المطلوبة لحاملي سنداتها. مثل هذا السيناريو سيكون مدمراً من الناحية الاقتصادية، ويمكن أن يغرق العالم في أزمة مالية.

والدائنون للولايات المتحدة، من حملة سنداتها، داخل البلاد وخارجها، سواء سندات خزينة أو سندات ادخار، ومنهم دول رئيسية مثل اليابان والصين وغيرهما، حائرون وقلقون بشأن مصير أموالهم. وبالنسبة للصين، على سبيل المثال، فإن عدداً متزايداً من الخبراء الاقتصاديين المحسوبين على الدولة، يطالبون بإيجاد مخرج سريع لهذا المأزق. فبحسبهم، بما أن الولايات المتحدة أوضحت أنها لن تسدد ديون الصين حتى لو كان لديها المال، فإن أفضل حل لبكين هو المسارعة للتخلص من جميع حيازات سندات الخزانة الأمريكية. لكن هل تستطيع الصين فعل ذلك؟ كلا بطبيعة الحال. فواشنطن لن تسمح بذلك. هذا هو فخ الديون «Debt trap» الحقيقي الذي لطالما اتهم الغربيون الصين بنصبه للدول الإفريقية.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3sjyyhna

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"