ملاذ جديد للتعبير

23:03 مساء
قراءة 3 دقائق

د.باسمة يونس

تشير كلمة «رومانسية» إلى الأشياء والأماكن التي يعجز وصفها بالكلمات، وتعني التعبير عن الحب والتفاني وغالباً ما تتضمن إيماءات درامية أو عاطفية، وكما قال عنها الشاعر بودلير «لا تقع على وجه التحديد في اختيار الموضوع، ولا في الحقيقة ولكن في طريقة الشعور».

ومن خلال مراجعة بسيطة للآراء التي تعالج وتناقش موضوعات الرومانسية في هذا الزمن، يمكن القول بأن الكثير منها تقيد مفهومها كعلاقة حب بين اثنين، ومعظم الروايات الرومانسية تشتمل على عنصرين أساسيين بالضرورة، وهي قصة حب مركزية تدور الحبكة الرئيسية فيها حول الأفراد الذين يقعون في الحب ويكافحون من أجل إنجاحه ونهاية مرضية ومتفائلة عاطفياً.

وتستدعي كلمة «رومانسية» إلى الذاكرة دائماً صورة «كيوبيد» إله الحب المشؤوم والموصوف بقلة الحظ، رغم أنها لم تحمل مفهوم الحب حتى أواخر القرن السابع عشر، وجاءت مثل ردة فعل ضد الثورة الصناعية ولتحدي السيطرة المحكمة للمثالية العقلانية ولتعزز الارتباط بالمشاعر والعواطف الإنسانية المرهفة.

ويُعتقد أن مصطلحات الرومانسية الأكثر حداثة مثل فكرة «الحب الرومانسي» قد نشأت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وبشكل أساسي من الثقافة الفرنسية، والتي ولدت مع رغبة الأدباء والفنانين التأكيد على أن الإحساس والعواطف وليس فقط العقل والنظام وسائل مهمة بنفس القدر لفهم العالم وتجربته والتعايش فيه مع الطبيعة وتشجيع التناغم معها.

ووجد الشعراء والكتاب في العالم في الرومانسية ملاذاً للتعبير عما في صدورهم، واختلاجات مشاعرهم التائقة للحرية وللتحرر من قيود الاستعمار والتخلص من الظلم والحرمان، ومن هذا الباب دخلت الرومانسية إلى الروايات والقصائد والأغاني للاحتفاء بالمشاعر باعتبارها منبعاً للجمال، وأصبحت تغطي مجموعة متنوعة من الموضوعات وتقف جنباً إلى جنب مع الوطنية والقومية والنضال من أجل الاستقلال.

وعرف العرب «الرومانسية» بمعناها السامي والمتسامي عن «الحب بمفهومه غير العذري» منذ عصر الجاهلية، وارتبط بها الشعراء الذين اشتهروا بنظم قصائد الوجدان والغزل واستهلال قصائدهم بالحديث عن الأطلال والتغزل بالحبيبة والفخر، قبل الانتقال إلى موضوع القصيدة مثل عنترة بن شداد وعروة بن حزام وامرؤ القيس وغيرهم كثير.

ورغم ما يقال عن موت الرومانسية وانتهائها من العالم في ظل الزحف التكنولوجي، يمكن استشعارها في مجموعة كبيرة من الأفلام والأدب والموسيقى والفن، فالمجتمع المعاصر مملوء بالرومانسية بداية من قصص الحب والحكايات العاطفية مروراً بالذكريات والحنين إلى الماضي والمثالية والبحث الدائم عن الحرية والرغبة في احتواء الآخرين وبث المودة والتعاطف والتي يتم تقديمها بطريقة جديدة ومختلفة.

كما يمكن القول بأن الاهتمام الأكبر والتركيز على الرومانسية والتعبير عنها، أصبح مهتماً بشكل أعمق بتصوير الطبيعة، بحيث حوّل الأدباء والفنانون انتباههم تجاه المناظر الهادئة والأماكن التي تستحضرها اللوحات والصور، وتركز على اتحاد البشر مع الطبيعة وكونهم جزءاً لا يتجزأ منها، إضافة إلى تصوير قوتها ورهبتها التي تمس المشاعر.

ونستطيع رؤية الرومانسية بأجمل صورها وأحدث أساليب التعبير عنها، في انعكاسها بمساحات واسعة من الصور والمواقف الإنسانية العالية والوصف المسهب في الروايات والقصص للأماكن والمناظر الطبيعية وتفاعلها القوي مع المشاعر، وما تفعله في النفوس وما تستثيره في قلوب المتفرجين والمتابعين من ذكريات وحنين.

وكما احتضنت الرومانسية النضالات من أجل الحرية والمساواة وتعزيز العدالة، استكشف الفنانون فيها مختلف الحالات العاطفية والنفسية بالإضافة إلى الحالات المزاجية، وظهر اهتمامهم الكبير بالفلكلور المحلي والتقاليد والمناظر الطبيعية التي تحفز الهوية الوطنية ومشاعر الفخر بها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5x9mjnry

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"