الحوار الوطني.. الرسالة والتوقيت

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

د . مصطفى الفقي

تلتقي الشعوب وتتحاور المجتمعات كلما اقتضت الضرورة، ودعت الظروف المحيطة في الفضاء الإقليمي والدولي والمحلي، ولعل دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحوار الذي جرى التمهيد له على امتداد عام كامل، من خلال نخبة من أبناء الوطن في مختلف التخصصات والاتجاهات، هو تعبير دقيق يتواكب مع الظروف التي تمر بها المنطقة والتحديات التي تواجه مصر في مرحلة من أدق مراحل وجودها.

 وإذا كان الحوار القادم وطنياً خالصاً يختص بالشأن الداخلي، على اعتبار أن السياسة الخارجية أمر متفق عليه، إلا أنني أزعم أنها من أكثر محاور العهد الحالي توازناً وقدرة على استيعاب المتغيرات الدولية والإقليمية والحفاظ على كرامة الوطن والنأي به عن التورط في أمور جانبية قد تجرّ إلى طرق وعرة تعوق مسيرة التقدم الوطني وتؤثر في المسيرة التي حققت – في السنوات الأخيرة إنجازات يصعب إنكارها – برغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم المعاصر، والتحديات المتتالية التي تدفع بها أحداث المنطقة نحو مصر، ذلك البلد العريق الذي تستهدفه مصاعب ومتاعب على حدوده شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. 

ولكن مصر ترقب بعين واعية ما يدور حولها وما يجري تخطيطه ضدها، مؤمنة بأن الذي جعلها تنتصر على الإرهاب وتبدأ مسيرة إصلاح اقتصادي شاق، وتقيم بنية أساسية غير مسبوقة في تاريخها وتوفر الأمن لمواطنيها سوف يجعلها دائماً تصل إلى بر الأمان.

   إن الرسالة التي أتوجه بها إلى الوطن الغالي الذي أنتمي إليه، والشعب العظيم الذي أحمل شرف الانتساب له قائلاً: إن الرسالة الحقيقية تكمن في درجة الوعي المخزون في الذاكرة المصرية وتراكماته عبر القرون، إن الرسالة تقول باختصار: نحن نريد من الحوار الوطني الذي يبدأ أعماله الجادة على أرض الكنانة، أن يكون حواراً وطنياً خالصاً تختفي منه الدوافع الحزبية أو المصالح الشخصية، وتبرز فيه المظاهر الجديدة التي اكتسبتها مصر من تجاربها في السنوات الأخيرة واضعين في الاعتبار أن ازدهار الأمم ونهضة الشعوب هي الدعامة القوية للاستمرار والاستقرار والارتقاء، إنني أضع النقاط الثلاث التالية أمام أعين المتحاورين من أجل الوطن:

* أولاً: إن التحديات الإقليمية الواضحة في السودان وليبيا والبوابة الشمالية الشرقية لمصر، فضلاً عن التطورات الجديدة في منطقة البحر الأحمر، قد أدت إلى بروز قوى إقليمية تسعى للحصول على مكاسب استراتيجية حول شواطئه، ويجب أن نتذكر هنا أن مصر هي رمانة الميزان في المنطقة، شاء من شاء وأبى من أبى، فالتاريخ العريق لا يُشترى والحضارة بناء ثقافي يقوم على التراكم الزمني، لا يمكن شراؤه أو استيراده أو نقله دفعة واحدة.

أشعر أحياناً أن هناك محاولة خبيثة لتطويق مصر وجرّ جيشها إلى مغامرة، للتخلص من إحدى القوى العسكرية الاثنتي عشرة الكبرى في عالم اليوم، ولذلك فإن خطواتنا لا بد من أن تكون محسوبة بدقة، ولا ننجرف وراء تيار يدفعنا نحو شباك تصطاد في المياه العكرة. 

* ثانياً: وهنا أخاطب العرب، أمتنا التي ننتمي إليها بضرورة اليقظة واحترام مبادئ العامل العربي المشترك، والابتعاد عن المخططات السرية التي لا تريد خيراً لنا ولا لأجيالنا القادمة، وليدرك الجميع الحكمة التقليدية على لسان الثور الأسود التي قالها: (لقد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض) ولنكن جميعاً على وعي كامل في هذا الحوار الوطني الجامع، بأن مصر مستهدفة بالدرجة الأولى، وأن محاولة تطويقها من كل اتجاه هي جزء من مخطط خبيث لا يريد لها أن تحلّق في الفضاء أو حتى تطفو على السطح، ومصر العربية الإفريقية تؤمن دائماً بأنه لا يصح إلا الصحيح، وأنها قادرة على الصمود والتماسك والكل يعلم أنها عصيّة على السقوط.

* ثالثاً: إن أطراف الحوار الوطني الحالي يعلمون جيداً أننا نبدأ عملاً وطنياً سياسياً شاملاً، يستند إلى رؤية واضحة وتجارب عشناها وتحديات عرفناها، لذلك فإننا نعتز بالخبرة التاريخية للإنسان المصري، وهنا ندعو إلى أهمية استمرار قوة الدفع بحيث يكون الحوار مستمراً لا يتوقف، وجاداً لا يتراجع.

  أيها السادة المتحاورون من أبناء الوطن المصري العظيم، إن ما جرى في السودان مؤخراً هو رسالة لمصر توأم السودان وشمال الوادي والعمق الاستراتيجي المتبادل بين الشطرين، إنني لا أشك لحظة بأن ما جرى في السودان هو استهداف لمصر أيضاً، ومحاولة لتطويقها من كل اتجاه حتى تظل كما يريدونها تواجه أصعب التحديات..  وهنا أقول كلمة أخيرة.. أيها السادة المتحاورون لنحذر جميعاً؛ فمصر هي الهدف وهي الغاية لأنها الجائزة الكبرى!

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/muy978rt

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"