حماية الدولة الوطنية تغيّر العلاقات الدولية

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

انزاحت قليلاً، وببطء، التوقعات عن صراع أمريكا والصين وروسيا، على شكل النظام الدولي القادم، لتفسح مجالاً لرؤية أخرى مضافة لنظام تصنعه مستجدات اقتحمت ساحة نظريات العلاقات الدولية المستقرة عبر سنوات طويلة. وذلك بالتوقعات عن أدوار مؤثرة لدول، ولتجمعات دولية، سوف تغيّر من طبيعة العلاقات الدولية، بحيث يبرز التركيز على مفهوم الحماية الذاتية والوطنية للدول والشعوب، ما دفع الخبراء والمحللين المتابعين أولاً بأول لهذه التطورات، إلى حالة من التوافق الجماعي بينهم، على أن العالم الآن أمام لحظة فارقة في تاريخه، نحو التحول في طبيعة ونمط العلاقات الدولية.

تقول «لوموند»: إن المجال السياسي والدبلوماسي الدولي قد تغيّر ولم يعد مثلما كان قبل عام مضى، وفي القلب من هذا التحول الذي يتحرك بالتدريج، فإن الغرب بتأييده لأوكرانيا قد وضع نفسه في عزلة، وأن جزءاً كبيراً من العالم لا يشارك الغرب سخطه الجمعي على الطرف الآخر في هذا النزاع.

ويمكن الآن أن تسمع أصواتاً في مناطق العالم الأخرى تقول: إن ما يجري هو حرب بين من ينتمون إلى الجنس الأبيض، وكلهم من الديانة نفسها، فما الذي يهمنا نحن في إفريقيا، وآسيا، والدول العربية، من هذا الصراع الذي يخص طرفي النزاع أساساً؟

وإن كثيرين من هؤلاء خارج دول الغرب، يحددون فترة عشر سنوات، وبعدها يتراجع النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

ووفقاً لرؤية المطبوعة المتخصصة في الشؤون القانونية American Journal Of International Law فإنه مهما كانت نتيجة حرب أوكرانيا إلا أنها ستعيد تشكيل العالم الذي نعيش فيه جميعاً، بتداخلات لكتل مؤثرة من دول ليست طرفاً في الصراع الدائر بين القوى الكبرى، وإذا كانت الحرب تمثل كارثة لأوكرانيا، وأزمة للعالم، فإن الكثير من دول الشرق الأوسط، وإفريقيا، وآسيا، تدفع ثمن صراع ليس لها فيه يد، أو مصلحة.

ويضيف إلى ذلك مركز N.P.R وهو مؤسسة الراديو القومي العالمي في أمريكا، والذي يضم 900 محطة إذاعية في أمريكا، ومقره واشنطن، بقوله إن من نتائج حرب أوكرانيا انطلاق موجات من التأثيرات المتلاحقة التي ستستمر في تغيير العالم بخلاف ما كنا نعرفه.

ويحدد تفصيلات ما هو متوقع، ما تيو شميث، الخبير بجامعة نيوهافن كونيكتيكت، والبروفيسور بكلية أركان حرب الأمريكية، بأننا سنشهد صعود جبهات تضم دولاً تكاد تكون كل منها منفصلة عن الأخرى، لكن هناك ما يجمعها معاً حول استراتيجية الحماية الذاتية للوطن، وهو مصطلح يتردد الآن في دوائر العلاقات الدولية، مدفوعاً بالرغبة في إعادة النظر في علاقاتها الخارجية، خاصة إن الحرب انعكست، بقوة، على مصالح دول الجنوب. واتفق مع هذه المعاني تعليق كريستالينا جيورجينا، مديرة صندوق النقد الدولي التي قالت للصحفيين في واشنطن: «نحن نحتاج إلى قوة جماعية للكل، للتعامل مع الصدمات القادمة».

وهو المعنى نفسه الذي نقلته صحيفة «الغارديان» عن مارك ليونارد، مدير مركز البحوث السياسية في بريطانيا، من أن الحرب قد بلورت بالفعل الملامح الأولى لنظام دولي جديد، قد يختلف عما تصورته القوى الكبرى. وكل هذا يعد مؤشراً على ما هو متوقع من صعود تأثيرات قوية قادمة، من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وسوف ترغم نتائج الحرب أوروبا على أن تقرر أين تقف في النظام العالمي الذي يتغير بالفعل. وإن من المتوقع أن تكون ألمانيا وفرنسا، الأكثر اتجاهاً للانحياز لمصالحهما الذاتية. وهو تفكير يقترب من التيارات السائدة الآن خارج دول الغرب.

ويتفق مع التوجهات نفسها، مايكل دوغلاس المستشار الرئيسي لمعهد Montaigne وهو مركز بحوث مستقل ومقره باريس، مهتم بصياغة رؤية سياسية متطورة لاستراتيجية أوروبا، ويقول إن حرب أوكرانيا قد تكون علامة على نقطة تحول في علاقات الغرب مع أغلبية شعوب العالم، خاصة في الجنوب، ويمكن أن يحدث ذلك التطور ببطء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ebcspdz

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"