الإجابات المطلوبة من أعياد العمال

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

د .علي محمد فخرو

أما وأن الاحتفالات بعيد العمال السنوية قد انتهت واستمع شباب وشابات الأمة العربية من أعضاء النقابات إلى الخطابات الرسمية وهي تبالغ في التفاخر بما أنجزته من خطوات جزئية متواضعة لصالح الطبقة العمالية، ومن بعدها إلى خطابات بعض القيادات النقابية وهي تعد أن حل خلاف عمالي هنا وتحسين ظروف عمالية هناك كان دليلاً على حيوية نقاباتها، فإن من الضروري تذكيرهم بأن الإحن والمحن العمالية تكمن في أماكن وقضايا أخرى،  وعلى مسيرة نضالاتهم أن تواجه الآتي قبل أن ترقص رقصات تلك الانتصارات البسيطة الفرعية.

  هناك محو آثار المدرسة النيولبرالية، الثاشرية الإنجليزية والريغانية الأمريكية على الأخص، التي قادت إلى تقليص الوجود والفاعلية للقوى النقابية في العالم كله. والمطلوب هو النضال لعودة وهج ونشاط وانتصارات العمل النقابي الحر المستقل والاعتراف بأهميته الكبرى في كل جوانب الحياة المدنية. وهذه ستكون معركة كبرى.

وهناك العودة إلى التلاحم التعاوني التعاضدي النضالي فيما بين النقابات والحركات السياسية التقدمية الشعبية الأخرى. وهو ما سيقوي الجهتين ويدفعهما نحو تكوين كتلة مجتمعية نضالية ديمقراطية هائلة فاعلة وندية من خلال نضال مشترك يضم ويجيش أيضاً الطبقتين: الفقيرة والوسطى. عند ذاك يمكن الحديث عن مجتمع قوي واقف على رجليه وصاحب تأثير في كل قرارات الدولة.

  وهناك الاقتناع التام بالترابط الوثيق الوجودي المحكم في ما بين المطالب العمالية والمطالب المجتمعية الأخرى. فالمطالب العمالية يجب أن تكون جزءاً من نظرة فكرية شاملة، أيديولوجية مرنة ومتسامحة ومنفتحة، ترى في التضخم المالي أو سيطرة أية أقلية على السياسة  أو وعدالة العلاقات الدولية أو عدالة توزيع الثروة وغيرها الكثير، تراها كأمور تخصها ولا تنفصل عن شعاراتها. ومن هنا يجب أن تصر على أن تكون لها كلمة ورأي وموقف في كل ما يخص مكونات المجتمع ومعيشتهم وكرامتهم، وعلى الأخص في كل ما يؤثر في كرامة وحياة الفقراء والمهمشين.

  وهناك التثقيف العمالي والسياسي الدائم لمجموعات الشابات والشباب الجديدة من أجل الانغماس الواعي النشط في مسيرة النقابة، ومن أجل عدم تركها لتدخل في ألاعيب الزبونية الفاسدة والاستزلام السياسي الانتهازي من خلال هذا القائد النقابي أو ذاك. والواقع أن النقابات أكثر قدرة من غيرها للعب هذا الدور النضالي السليم.

  هذا التثقيف يجب أن يسعى إلى حماية الطبقة العمالية وأنصارها من الجوانب السلبية الكثيرة في الثقافة النيولبرالية العولمية التي تصر مدرسة شيكاغو وأمثالها على نشرها في العالم، وعلى الأخص الفردية الأنانية المنغلقة على نفسها والمتشبعة بالقيم غير الأخلاقية السليمة، والتي لا تمت بأية صلة للجوانب الروحية والنفسية المتوازنة الناضجة.

  وهناك أخيراً الدور الهائل الذي يجب أن تلعبه النقابات، ومرة أخرى على الأخص شبابها وشاباتها، في حقل الأهوال التي ستأتي بها التطورات التكنولوجية، والتي ستؤثر في كل جوانب حياة العمل والبطالة والهيمنة على حياة الأفراد الشخصية والعامة. وهذا موضوع كبير، لكنه موضوع سيمس الوجود الإنساني برمته.

ستكون كارثة لو أن النقابات ومناصريها ورفاقها في الدرب لم يدخلوا في مناقشات هذا الموضوع وفي اتخاذ القرارات الضرورية للسيطرة على جوانبه الشيطانية الكثيرة وعدم ترك أمر الموضوع في يد مجموعات غنية فاسدة.

  عندما تحتفل النقابات بأعيادها العمالية تحتاج أن تقيّم سنوياً ما جرى بالنسبة لتلك الجوانب الكبرى خلال العام، لا أن تحتفل بهذه المنجزة الصغيرة أو تلك. يا شابات وشباب الأمة طالبوا سنوياً بالحصول على إجابات مقنعة بالنسبة لتلك الجوانب؛ إذ جميعها يمس المستقبل، والمستقبل هو أنتم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4p32ctae

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"