عادي

غواية الرواية

19:08 مساء
قراءة دقيقتين
الروايات
الروايات
الشارقة: علاء الدين محمود
يبدو أننا بالفعل في عصر الرواية، لا يتضح ذلك من خلال الأعمال السردية الكثيرة التي تنتشر حول العالم فقط؛ بل كذلك الاندفاع الكبير من قبل القراءة نحو هذا الأدب الذي بدأ بالفعل في فرض نفسه بقوة، وهو الأمر الذي يثير الأسئلة المتعددة حول سر جاذبية السرد الروائي الذي لم تؤثر فيه الثورة الرقمية والمعلوماتية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي؛ بل عززت من مكانته والترويج له عبر العديد من الصفحات والمجموعات التي تحولت إلى أندية لمراجعة وتقييم المنتج السردي والنقاش حوله ونقده.
ولعل هذا الانتشار الكبير للرواية في العالم كله، يشير إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي أن المتلقي لم يتخل عن القراءة كما يشاع، وأن تراجع الاطلاع الذي يتحدث عنه المختصون، لا علاقة له بالكسل بقدر ما أن تحفيز القارئ أو المتلقي نحو ممارسة فعل القراءة يحتاج بالفعل إلى اختيار نوع الأدب المعين المناسب له والتركيز عليه، حيث يبدو أن الرواية قد نجت في ما عجزت عنه الصنوف والأنماط الأدبية الأخرى، وصارت قبلة عشاق المعرفة بمختلف خلفياتهم، فحب الأعمال السردية لا يقتصر على شريحة معينة؛ بل يشترك فيه قطاع كبير واسع وأطياف متباينة ومختلفة من أنوع القراء سواء كانوا على قدر عالٍ من التعليم والثقافة أو أصحاب المعارف البسيطة، وذلك يقدح في حقيقة الأمر في بعض المبررات التي تطرح هنا وهناك من قبل بعض النقاد من شاكلة أن العصر الراهن هو عصر السرعة، وأن الكتابة التي تجد حظاً من القراءة هي البسيطة القصيرة التي تتخلص من الزوائد والوصف، فذلك الأمر أثبت عدم صحته لكون أن الرواية تعتمد على التطويل والوصف، ولئن كانت الرواية الكلاسيكية تنهض على بطل أو شخصية معينة، فإنها في العصر الراهن، تقوم على تعدد الشخوص الذي يعكس حيوات وعوالم مختلفة؛ فكل شخص هو قصة قائمة بذاتها في نسيج العمل الروائي.
وذلك يقود مرة أخرى إلى سؤال عن الخصائص التي تتميز بها الرواية دون غيرها، والحديث في ذلك الأمر يطول، فهو يشتمل على العناصر المعلومة والمعروفة ومنها الإثارة والمتعة والتشويق، إضافة إلى الأسلوب الخاص بكل كاتب، فالأعمال الروائية لا تتكرر ولا تتشابه إلا بقدر ضئيل؛ إذ إن لكل كاتب طريقته وأدواته وتجربته المختلفة، بالتالي بصمته الخاصة في الكتابة وتوظيف التقنيات الروائية، كما أن فن الرواية هو إبداع متطور على الدوام، فالتجريب المستمر أنتج فتوحات كبيرة في عوالم هذا الأدب؛ إذ تعددت وتنوعت أشكال وأنواع السرد، فهنالك الرواية الفكرية والفلسفية التي تثير الأسئلة، وهنالك الأعمال السردية التي تشتبك مع علم النفس وتميل إلى الغموض، وأيضاً لا ننسى الرواية البوليسية والتاريخية وأدب الخيال العلمي والرحلات والرعب.
ولعل سر الجاذبية الأكبر للرواية، هو أنها تعبر حقيقة عن الإنسان في العصر الراهن، حيث تغوص في أعماق النفس البشرية، وتلامس حياة الفرد، وترصد المتغيرات الاجتماعية، في عصر متحرك ويتسم بالتشظي والاغتراب، فاهتمام المتلقي بالرواية يعكس اهتماماً بنفسه ومصيره ومستقبله.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/546cxyx6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"