لعبة «الإخوان» العربية

00:17 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول *

علقت صحيفة «الغارديان» البريطانية على الانقسام، الذي أحدثته فتوى القطب «الإخواني» الصادق الغرياني، بأن يوم الجمعة هو المتمم لشهر رمضان الكريم، فيما كانت الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية الليبية قد أعلنته أول أيام عيد الفطر المبارك، أقول: علقت الصحيفة بأنه انقسام وصل إلى حد الجنون. ولم يقف الانقسام بشأن موعد العيد على شرقي البلاد وغربيها؛ بل وانقسمت بعض البلدات، لاسيما في الغرب، بين الأمرين. وهذا الانقسام المجنون قد يحبط الحراك السياسي في ليبيا لإجراء الانتخابات بنهاية هذا العام، ويعيد البلاد إلى مربع الفوضى.

 ومن قديم، اتضحت لعبة «الإخوان» العربية، وتتمثل في إشاعة الفوضى والانقسام في المجتمعات وبينها؛ فذلك هو الشرط الأساسي لزيادة نفوذهم السياسي وصعودهم إلى السلطة. ولا أريد الرجوع إلى أسفار التاريخ لاستخلاص الدلائل على ذلك، لكن يمكن الإشارة إلى أمثلة، بقدر ما تسمح به المساحة، منذ اندلاع «الانتفاضات العربية» عام 2011، التي حركها «الإخوان»، ثم ركبوها عندما سنحت الفرصة، ثم استغلوها لتحقيق مآربهم السياسية. ومن هنا، نفهم كيف أنه لم يكن ربيعاً عربياً؛ بل خريفاً سقطت فيه الأوراق العربية من شجر كثير كان وارفاً.

 وإذا بدأنا بالدور «الإخواني» في تفجير الصراع العسكري في السودان بين قوات الجيش الذي يقوده عبد الفتاح البرهان و«قوات الدعم السريع» التي يقودها محمد حمدان دقلو «حميدتي»، نجد أن هذا الدور مركب؛ بل ومعقد. فقد دفع «الإخوان» الطرفين دفعاً إلى الاقتتال. ويقول المتخصصون في دراسات الإسلام السياسي إن العناصر «الإخوانية» موجودة في الفريقين المتقاتلين، ويشيرون إلى شقيق «حميدتي» القيادي «الإخواني»، وإلى نفوذ فلول النظام «الإخواني» البائد في الجيش، ويدللون على ذلك بالاتهامات المتبادلة بين المعسكرين بالمسؤولية عن فتح السجون والمعتقلات وإخراج «الإخوان» منها. وليس عندي شك في أن عناصر «إخوانية» أو موالية ل«الإخوان» في الجيش وقوات الدعم، متورطة في إخراج القيادات والعناصر «الإخوانية» من معتقلاتهم. وقد اتضحت معالم لعبة «الإخوان»: دفع الطرفين إلى الاحتراب؛ لاستنزاف قدراتهم العسكرية والبشرية، وخلق حالة من الفوضى في البلاد، ينهضون في ظلالها من جديد، وقد يهيمنون على المشهد السياسي. وأول ما سيفعله «الإخوان» هو إقصاء القوى المدنية جميعاً، ولو تحالفوا مع العسكريين المنهكين من أوزار القتال.

وعندئذ، سنكرر جميعاً: ما أشبه الليلة بالبارحة. وعندئذ، سيُخرج لنا التاريخ لسانه هازئاً من سذاجتنا وساخراً من نسيان دروسه. فهذا السيناريو الذي أتمنى ألاّ يتحقق في السودان رأيناه رأي العين يحدث في مصر في الفترة (2011-2013). يقول محدثي، وهو من أبرز متخصصي دراسات الإسلام السياسي في العالم العربي، إن «الإخوان» شاركوا في انتفاضة 2011 المصرية منذ البداية، عكس ما هو شائع، ودفعوا القوى المدنية دفعاً إلى الصفوف الأمامية. ولكن «الإخوان» عندهم «تُقية»، فلم يظهروا في المشهد منذ أول يوم. ولكن «الإخوان» لديهم تحالفات مع قوى كبرى أملت عليهم خطواتهم بمعلومات استخبارية وثيقة، فلم يرونا منهم شيء حتى تهيأت الظروف على الأرض أو هُيئت لهم، فكانت الفوضى العارمة وكان الاضطراب العنيف إثر «معركة الجمل» وحرق أكثر من مئة وعشرين من أقسام الشرطة في وقت متزامن. ومن ثم، صال «الإخوان» وجالوا وركبوا الثورة والقوى المدنية ودبابات الجيش ومدرعاته في الميادين، ثم تجلت المحنة المصرية في أسوأ صورها بهيمنتهم أو اقترابهم من الهيمنة على كل شيء في المحروسة منذ انتخابات البرلمان 2011 والانتخابات الرئاسية 2012.

 ولعمري أن أبو بكر ناجي، القيادي أو الأيديولوجي «القاعدي»، نظم نظريته الفظيعة عن إدارة التوحش مستلهماً الخبرة «الإخوانية» في إحداث الفوضى المتوحشة والاضطراب العنيف في البلاد العربية، ثم التقدم لإدارة مرحلة التوحش بعد أن أصبحوا القوة المنظمة الوحيدة الباقية، ومن ثم تحقيق السيطرة على رقاب البلاد والعباد. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 وأخيراً وليس آخراً، ها هو الشيخ الثمانيني راشد الغنوشي رئيس «حركة النهضة» الموالية ل«الإخوان» في تونس يحرض على العنف وإثارة الفوضى والإرهاب؛ بل ويهدد بالحرب الأهلية للتخلص من نظام الرئيس قيس سعيّد. ولولا يقظة الأخير، والمسارعة باعتقال الغنوشي وإغلاق مقار الحركة في العاصمة وسائر المحافظات، ما كان أحد يعلم معالم الطريق «المتوحش» الذي تأخذه تونس الخضراء.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/w6v389w4

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"