تونس والاعتماد على الذات

00:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

يبدو أنّ حلفاء تونس وشركاءها الاقتصاديين، باتوا يشعرون بخطورة الموقف المالي والاقتصادي، في البلد المتوسطي القريب من الحدود الجنوبية «للجنّة الأوروبية»، وهذا ما يدفعهم إلى تغيير خطابهم حول مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي.

 وإذا كان الموقف الإيطالي شديد الوضوح في دعم تونس دون شروط صندوق النقد المجحفة، فإن ّ الولايات المتحدة وفرنسا مازالتا مترددتين في حسم الموقف وتأييد وجهة النظر التونسية الرافضة للشروط المجحفة لصندوق النقد. والمهم في ما يحدث أن السلطات التونسية متمسكة برفض أيّ اتفاق يمكن أن يؤدي إلى تهديد للسلم الاجتماعي، في بلد يعاني ضغوطاً اقتصادية اجتماعية حادّة. وهنا يعلو صوت رئيس الجمهورية قيس سعيّد داعياً إلى ضرورة الاعتماد على الذات، وصيانة استقلالية تونس وسيادة قرارها.

 وعلى مدار الفترة الماضية تراوحت المواقف بين التخويف من الإفلاس والضغوط الخارجية التي تسعى لوضع خطوط حمراء أمام سياسات تونس الخارجية، من طرف «محللين» يرددون ذات الجمل منذ نحو سنتين تقريباً، إما قرض صندوق النقد أو هاوية «نادي باريس»، ولكن لا واحدة من هذه النبوءات «الخبيثة» تحققت، وسقطت الأمنيات أمام صمود تونسي فريد من نوعه، سياسياً واقتصادياً ومالياً.

 صحيح أن هناك شحاً في الموارد جميعها أو أغلبها، وصحيح أن الطبيعة لعبت هي أيضاً دوراً ضاغطاً مع تواتر سنوات الجفاف، تزامناً مع أوضاع دولية ضاغطة وأسواق دولية شديدة التقلب والاضطراب. ومع ذلك هناك مؤشرات كثيرة تدل على أن تونس فيها ما يكفي من الموارد لكي يعيش شعبها حياة رفاهية لو تم ترسيخ سياسات الشفافية والعدالة الاجتماعية منذ الاستقلال إلى الآن. إحدى هذه العلامات الصحية، هي تقرير البنك المركزي الذي تحدث عن «صلابة» الدينار التونسي في سوق العملات وحفاظه على مستويات معقولة من قيمته في مواجهة عملات قويّة، وهو الذي يرزح تحت ضغوط اقتصادية واجتماعية وسياسية داخلية وخارجية لم تستطع عملات أخرى أكثر قوة من الدينار التونسي أن تثبت أدنى مقاومة أمامها.

 وهنا تطرح مسألة التعويل على الذات، واستنباط الحلول الواقعية التي تتكيف وحال المجتمع التونسي. هناك مقولة فكرية للكاتب السوري ياسين الحافظ، يمكن أن تلخص ما نحن بصدد البحث عنه وهي تتأسس على فكرة «الوعي المطابق لحاجيات الواقع». وتعني أن أي مشروع لتغيير المجتمع ورسم طريق التحديث، لا بدّ أن ينطلق من قراءة عقلانية للواقع وتقديم الاستجابات المحلية لتحديات ذلك الواقع.

 أولى هذه الخطوات أعلنها الرئيس سعيّد عندما طرح الاستثمار الفلاحي في المتوفر الممكن من الأراضي الصحراوية الغنية على ما يبدو بموارد مائية هائلة يمكن أن توفر حلولاً لإعادة التوازن لمنظوماتنا الإنتاجية ولأمننا الغذائي، خاصة أن دول الجوار استغلت هذه الموارد وهي تحقق نجاحات باهرة في المجال الزراعي. والخطوة الثانية هي الاجتماع الأخير لمجلس الأمن القومي والذي أخذ بزمام الأمور ملف الفوسفات الذي كان قاطرة الاقتصاد التونسي لسنوات طويلة وحان الوقت ليعود إلى مكانته، خاصة مع توفر ظروف دولية مساعدة على تحقيق مردودية مالية عالية في السنوات القادمة.

 كثيرة هي المجالات التي يمكن أن تكون معولاً لهدم أفكار الاستكانة والخضوع والقبول بالواقع وكأنه قدر محتوم، وكثيرة هي الكفاءات التونسية التي تنتظر هذه اللحظة التاريخية لتقدم لتونس حلولاً ولتمسك بزمام الإنتاج والتصدير وتحقيق الرخاء الاقتصادي. وهذه هي تونس التي نحلم بها جميعاً، تونس المنتجة والمنفتحة على مواردها الذاتية الطبيعية والبشريّة، ولكن الوصول إلى هذه المرحلة يتطلب أيضاً ثورة قانونية وتشريعية، تزيل كل العوائق وتفتح أبواب الأمل من جديد.

 الاعتماد على الذات وتنويع الشراكات الدولية على قاعدة المصلحة التونسية هي المرجعية الفكرية التي يجب أن تبنى عليها الخيارات السياسية التونسية في الفترة القادمة، لأن التعويل على الذات وهو خيار مطلوب يجب أن توضع له الشروط الموضوعية التي تمكّن من استدامته ونجاعته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4eztym6v

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"