صناعة النخب

00:16 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

أعلن أكثر من 9 آلاف من كتاب السينما والتلفزيون في هوليوود الإضراب منذ عدة أيام، وشهد عام 2007 إضراباً لمعظم هؤلاء الكتاب استمر لمدة 100يوم، أدى إلى خسارة نحو ملياري دولار. ربما يمر هذا الخبر على معظمنا بسرعة من دون أن يتأمل دلالته وأهميته، فنحن هنا أمام صناعة مترامية الأطراف، يعمل فيها الآلاف وتبلغ ميزانياتها الكثير. 

 لنتأمل معنى الأرقام في الخبر، فهناك 9 آلاف كاتب، وهم ليسوا كل كتاب هوليوود بالمناسبة، فماذا عن عدد نخبة الكتاب في مختلف المجالات في الولايات المتحدة بأكملها؟ وماذا إذا أضفنا إليهم نخبة الأكاديميين من أساتذة الجامعات والباحثين في المعاهد والمراكز العلمية؟ وماذا لو توسعنا فأضفنا إلى هؤلاء أيضاً التكنوقراط؟ نحن هنا سنكون في حضرة نخب مليونية، تقوم بعدة مهام في الوقت نفسه، يأتي على رأس أولوياتها تشكيل الأفكار ونشرها وترويجها بين أكبر عدد ممكن من الشعب ومن ثم توجيه الرأي العام، ورسم الصور التي تريد الولايات المتحدة أن تروجها عن نفسها إلى العالم، وهي صور ناجحة إلى حد كبير، فالكثير من شباب العالم يحب نمط الحياة الأمريكية، ومشاهدة سينما هوليوود، ويتأثر لاوعيه بأطروحات كثيراً ما لا تكون مجانية أو بريئة، وربما كانت ضد خياراته السياسية، لكنها تتسلل إليه عبر تقنيات الفن لتؤثر فيه رغماً عنه.

  بعيداً عن الأفكار والصور الذهنية، فإن هذه النخب تشارك في ما بات يعرف بالصناعات الإبداعية، والتي أصبح الكثير من الاقتصاديين يعوّلون عليها في التنمية؛ بل هناك من يتوقع أن تلعب هذه الصناعات دوراً أساسياً في الاقتصاد خلال السنوات القليلة المقبلة.

  الأهم في هذه الصورة، أن تلك الشرائح الموزونة من النخب هي في النهاية نتاج حراك اجتماعي وثقافي صحي، فهي أولاً فرزت فئات اجتماعية أوسع شهدت معدلات مرتفعة من التعليم، وتحلت بأمل وطموح  في الصعود الاجتماعي لتعود مرة أخرى لتؤثر في جمهورها الطبيعي، أي أننا أمام عملية دائرية من مجتمع ينتج نخبه متمكناً من جميع آليات هذا الإنتاج، ثم متقبلاً لما تطرحه هذه النخب من أفكار مرة أخرى.

  تتقدم الأمم بمدى اتساع شرائحها من النخب، وقدرة هذه الأخيرة على التأثير، ومساهماتها في جذب قاطرة المجتمع إلى الأمام.

 وتفرض الحالة الأمريكية سؤالاً بالنسبة لنا نحن العرب، ماذا عن أوضاع النخب في حالتنا؟ هل يوجد لدينا مثل هذا العدد من كتاب الدراما على سبيل المثال على الرغم من ثقلنا السكاني، والذي يتخطى عدد سكان أمريكا بالمناسبة، وفضائياتنا التي تقدر بالمئات الآن؟ وإذا تجاوزنا مسألة الكم، فماذا عن قدرة نخبنا في التأثير وتشكيل العقل وتوجيه الرأي العام؟ وماذا عن الصور التي أنتجتها أفلامنا وأعمالنا الأدبية؟ وهل عبّرت عما نرغب في  تصديره إلى  الآخرين؟

  البعض سيقول المقارنة ظالمة، لكنها ضرورية وكاشفة عن جوانب نقص عديدة تعيق صناعة النخب لا تبدأ من نوعية التعليم، ولا تنتهي بمشكلات اجتماعية وفكرية تعترض طريق المبتكرين في مختلف المجالات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mv9v54h9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"