صاحبة الجلالة خلف الأحصنة

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

قبل ثلاثة أيام احتفل العالم ب«اليوم العالمي لحريّة الصحافة» 3 أيّار/ مايو؛ تلك الحريّة التي تعنينا شرفاً، وأنقُدها وهي من دون ثياب في لبنان وغيره من البلدان المتشاوفة بديمقراطياتها، ولو أنها تفقد سياداتها مثلاً أو فقدتها فعلاً.

أخبرنا الأمين العام للأمم المتّحدة مشكوراً، ونحني رؤوسنا معه جميعاً، تخليداً ل67 صحفياً تمّ قتلهم في ال2021؛ رموزاً لحريّة الصحافة عنوان الديمقراطية والعدالة والحرية، وإمكانية التفكير بربط تلك الحرية بحريّة الإنسان وحقوقه المخنوقة في خزائن الأنظمة أو الطافية فوق مستنقعات الشعارات والأحلام والأماني المستحيلة عبر تاريخ القول والكتابة والرأي الحر في العالم.

 تُكابد الحريّة، شعاراً يتيماً، لأن ضحاياها هم مفكّرون وكتّاب كبار وأساتذة جامعيون ونخب وصحفيات وصحفيون، يمتهنون كشف الفضائح والفساد المستشري والأسرار، لتلقيهم المضايقات والترهيب والاعتداءات والاحتجازات والسجون وحتى الاغتيالات التي أصابت وتُصيب أهل الكلمة، لتظهر كلمة «الحرية» بين أيدي رسّامي الكاريكاتير جثثاً مكتوبة بألوان تنضح بالدماء. 

 قصدت ذكر الصحفيات تحديداً؛ تقديراً لنهضة النساء البارعات في التعبير والكتابة والتغيير، وتعرضهن للعنف والتهديد الجسدي وتحقيرهن السخيف في حقول الإنترنت.

1- جاء في اتّفاق الطائف 1989 توصية ب«إعادة تنظيم الإعلام المرئي والمسموع في لبنان». اعترضت حينها لدى رئيس مجلس النواب حسين الحسيني بصفتي أحد أعضاء مجلس إدارة تلفزيون لبنان 1991، على «إعادة التنظيم»، لأنّ إعلامنا لم يكن منظّماً إطلاقاً من قبل ليعاد تنظيمه؛ بل هو إعلام تمّ توزيع شاشاته؛ جوائز ترضيةٍ على الأحزاب والميليشيات والطوائف، باغتصاب حقوق الدولة اللبنانية في البث الفضائي الذي كان يجب أن يسري قانوناً حتى آخر آب / أغسطس 2012، لكنّ محطّة «إل بي سي» كانت أوّل من خرق هذا الحق الفضائي وتجاوزته في البث.

2- حَظي الإعلام بالقسط الأكبر من اهتمام الأشقاء العرب في «ندوة فندق الكارلتون» بيروت، وباتت معضلة إعادة تنظيمه، مسألة تتخطى في مسؤولياتها قدرات الدولة التقليدية. طرحتُ في تلك الندوة السؤال:

«كم نحن قادرون، ونحن نتكلم عن حرية الإعلام، على إنتاج مواد إعلاميّة، سليمة المضمون واللغة والأهداف أو انتقائها وفق معايير تربوية وسياسيّة واجتماعيّة ووطنية واضحة. وهل ستظلّ الساحة اللبنانية فالتة، أو يجب أن نضع قانوناً لضبط هذا الانفلات. ألم نصل بعد إلى وضع معايير تليق بمستقبلنا؟.. أخشى تجاه الانهيارات البادية في الأفق أن نكون في لبنان نربّي أجيالاً فاقدة اللغة والهوية، خلافاً لما ورد في الهوية التي ارتضيناها في الدستور؛ لذا أقترح إنشاء مجلس أعلى للإعلام على غرار فرنسا، يضبط الإعلام المرئي والمسموع.

3- تقدمت بدراسة مفصّلة حول مشروع إنشاء «المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع في لبنان»، مستنداً إلى التجربة الفرنسية التي تابعت آليّاتها في باريس عام 1989، واطّلعت على القوانين المتّصلة بعمله وهيكليته وعلاقاته مع الصحافة وطرائق تنفيذ قوانينه، ثم قمنا بعد ذلك بزيارات تدريبية فيه وتعرفنا، بإشراف د. مريامي ول. جاكومي إلى طرائق مراقبة المجلس لبرامج وسائل الإعلام الفرنسية، والأصول والسلطات المعتمدة في احترام اللغة والقيم الفرنسيّة وكيفيّة صيانتها. 

4- عند صياغتنا لقانون تنظيم البث في لبنان، كان الدكتور ألبير منصور وزيراً للإعلام، وجاء السطر الأوّل من القانون كالآتي: «الإعلام المرئي المسموع في لبنان حرّ». وجاءت الكارثة عند ربط المجلس بصفات استشارية تُتبعه لسلطات مجلس الوزراء عبر وزير الإعلام الذي قذف بالواقع إلى توسيع مساحات الساحات الإعلامية والسياسية، بما تجاوز فرنسا والخيال الشيطاني في رسم حدود الحريّات.

5- ليست حريّة الصحافة بخيرٍ أبداً. أوّلاً، لأنّها ما زالت تحيا باسمها البريطاني أعني «صاحبة الجلالة» في العديد من برامج الإذاعات والشاشات العربية المتنوعة، لكنها تمشي خلف الأحصنة.

 هناك فرق بين الإعلام والمعلومة التي تشدّ الانتباه، وتُبطن الأسرار مهما جاء شكلها محكية أو مكتوبة أو مرسومة أو بإشارات وتلميحات. المعلومة باتت الشائعة الحرة المطلقة، حاملة الإيقاعات المتعددة التي تُقلق الحكّام والحكومات، وتغدو كأنها تكتسب تكدّس أسواق الموضة فوقها عبر الكلمات التي تُشبه أسواق الثياب والمجوهرات والعطورات- أعني الأزياء دائمة التحول-.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s4zew5r

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"