حدث فاصل في تاريخ العرب

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

في عالم اليوم، بعض الدول تتجاوز الحاضر، وتصنع المستقبل، وتبني قواعد المجد للأحفاد، وبعض الدول تزعزع الحاضر، وتقتل التاريخ، وتشوه حضارة الأجداد. وما يحدث في السودان ليس سوى إشعال لنار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وتشريدهم، هرباً من جحيم حرب، الكل من ورائها خاسر، وهو ذاته لا نزال نتابع باقي فصوله في عدد من الدول العربية، منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وهدم مؤسساته، وتفتيت بنيته الشعبية، وتسييره على نهج لبنان المأزوم بالأطماع الخارجية والصراعات المذهبية والطائفية، aولعل ما يحدث في السودان ليس سوى فصل جديد من الخريف العربي، بعد أن اختار له المستهدفون للمنطقة أن يكون الاقتتال فيه عسكرياً، وهو الاقتتال الأخطر، ليس على السودان وحده، ولكن على المنطقة بأسرها. 

 في الجانب الآخر، نرى أمامنا دولاً لا تسمح لأي مخططات أن تعرقل مسيرتها التنموية، أو تنال من وحدة شعوبها، والإمارات نموذج للدولة التي يحق لها أن تزهو وتتباهى بما يتحقق على أرضها من إنجازات تصنع بها المستقبل، من دون أن تتخلى عن قيم الماضي، إنجازات وضعتها في مصاف الكبار، وجعلتها تتنافس على المراكز الأولى في المؤشرات التنافسية العالمية، وجعلت منها الدولة الحلم للأجيال الشابة، دولة لا تكتفي بأن تحلم لنفسها فقط، ولكنها تحلم لكل العرب، وتسعى جاهدة لاستعادة المجد العربي والحضارة العربية المفقودة، إنجازات تتوالى في مختلف المجالات، والعديد منها يستحق التوقف عنده.

 والأسبوع قبل الماضي كان «أسبوعاً تاريخياً لقطاع الفضاء الإماراتي»، كما وصفه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مستكملاً: «قدّم خلاله «مسبار الأمل» أوضح صورة لقمر المريخ «ديموس»، وشهد وصول العرب إلى أقرب نقطة من سطح القمر مع المستكشف راشد، وخاض خلاله سلطان النيادي أول مهمة عربية للسير في الفضاء». 

 سير النيادي في الفضاء، حدث فاصل ليس في تاريخ الإمارات فقط، بل في تاريخ العرب والمسلمين، وهو ما عبّر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله: «أول إماراتي.. أول عربي.. أول مسلم يسير في الفضاء الخارجي.. فخورون بذلك»، واستكمل سموه قائلاً: «العرب قادرون.. العرب قادمون.. العرب مبدعون؛ إذا قررنا التركيز على العلم والاستثمار في الشباب والابتعاد عن الخلافات».

 حقاً، فخورون بالإنجاز الذي لم تنسبه الإمارات لنفسها فقط، بل نسبته لكل العرب، فالثقة الإماراتية بالعقول العربية لا تعرف حدوداً، والأمل الإماراتي في أن يتبوأ العرب مكانة متميزة على خريطة العالم لا يعرف المستحيل، وكل ما في الأمر هو أن تستعيد هذه الأمة ثقتها بنفسها، وتكون لديها قيادات تؤمن بالإنسان العربي، وتمهد له الطريق إلى الإبداع وتتجاوز الخلافات التي تقسّم الأمة، وتفتت الشعوب.

 والوصفة الإماراتية جاهزة لمن يريد أن يجد لنفسه مكاناً في القطار الذاهب إلى المستقبل، والذي لن ينتظر المتقاتلين، فكل المطلوب، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، هو قرار ب«التركيز على العلم والاستثمار في الشباب والابتعاد عن الخلافات»، وهو القرار الذي اتخذته الإمارات عندما اتحدت وتوحدت، استجابة لإرادة القائد المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وإخوانه من الآباء المؤسسين، وعلى نهجه، تسير اليوم، وستواصل السير غداً، وبعد غد. 

 الإمارات وضعت عينها على المستقبل، واستهدفت تحقيق الرفاه لمواطنيها، واتخذت العلم والإنجاز والحكمة والاعتدال والتسامح هدفاً لبلوغ العلا، حتى لو كان مقدّراً لها أن تكون في إقليم مضطرب وفي عالم متصارع، تسعى لتهدئة الإقليم ونشر السلام في العالم، ومدّ يد العون للمحتاج، وهي ماضية في طريقها متوجهة إلى الرقم واحد الذي حددته هدفاً، بعد أن ألغت المستحيل من قاموس قراراتها وسلوكاتها؛ لذا كان أسبوع الانجازات الفضائية المتلاحقة أسبوعاً تاريخياً. 

وكلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، هي التعبير الأفضل عن عزيمة الإمارات لتحقيق أهدافها «لم تنجح مهمة المركبة التي تحمل المستكشف راشد بالهبوط على سطح القمر، ولكن نجحنا في رفع سقف طموحاتنا للوصول للقمر، ونجحنا في صنع فريق من شبابنا وبناتنا قادرين على إدارة مشاريع فضاء متقدمة».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrx585ab

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"