أطراف الأدب الثلاثة

22:19 مساء
قراءة 3 دقائق

د. باسمة يونس

على الرغم من ارتفاع المستوى المعيشي للناس، وسهولة تواصلهم واطّلاعهم على الإبداعات الأدبية، خصوصاً الشعر، يبدو أن المناخ الفكري غير خصب، لأن الكتّاب والشعراء بحاجة إلى نقاد، ونادراً ما تكون العلاقة بينهم جيدة وتبادلية.

ويزداد الموقف صعوبة مع تجاهل المؤسسات الثقافية النقد وترسيخه كأولوية ضمن سياساتها، مقابل دعم المزيد من الأنشطة الوقتية، ما يجعل النتاج الثقافي في حيرة بين الكاتب والقارئ، فلا الأول يستطيع الوصول إلى القراء، ولا الأخير قادر على فهم ما يقوله الشعراء.

وهكذا وجد الشعراء أنفسهم في عزلة أبعدتهم عن الجمهور، لأنهم يشعرون بأن عملهم هو الأفضل، ولكن لا يتم تقديره، عدا عمّن يأخذون الأمر بعدوانية، فيحاربون النقاد لاعتقادهم بأنهم لا يرتقون بنقدهم لفهم أعمالهم، أو للتواصل مع تجاربهم الجديدة كما يجب.

وهكذا تسود حالة لا مبالاة ونفور بين أقطاب العملية الأدبية الثلاثة، ما يبعد الشعر خصوصاً عن الناس لخلوّه من الأشياء التي تهم الإنسانية والموضوعات التي يرتبط معها أفراد المجتمع، فلا يمكن إجبار شخص ما على تقدير شيء لا يشعر به، أو لا يفهمه.

وهذا يعيدنا لأهمية النقد، وضرورته، فهو وحده من يقرّب بين الكاتب والقارئ، ويتعاطف مع موقف القصيدة ونواياها، ويوضح ارتباك الشاعر في تقديم القصيدة وعدم قدرته على نقلها من مشاعره الخاصة وتحويلها إلى قصيدة يمكن أن يراها القارئ، والوضوح بمعنى الجودة في القصيدة التي تربط أجزاءها بمعنى كامل، ومفهوم، وبلغة شعرية لا تتنازل عن جماليّاتها.

لقد ابتعد النقاد عن مهمتهم الأساسية بسبب ما حدث من تغيّرات مهمة في نوع المشاعر التي يعبّر عنها الشعراء اليوم تجاه المواقف المشتركة، مع تحوّلها إلى شخصية بحتة لا تشيد بالمفاهيم الأخلاقية الكبيرة، بل تنحصر على المستوى الشخصي، فلم تعد جيدة في رأي الناس، لأنها لا تتوسع من عمل أدبي إلى بيان يدور حول المشكلات والمواقف المشتركة بين جميع الناس.

لكن هذا لا يقلل من أهمية القصائد التي لم تصنع من فراغ، وفي الوقت نفسه يؤكد ضرورة تحفيز النقد، لأن القارئ من دون فهم الأدب هو مجرد خزانة للأفكار، والكاتب من دون نقد لا يمكن أن يتحسن، والناقد حلقة الوصل بين القارئ والشعر والقصيدة.

مهمتان أساسيتان للناقد الأدبي، الأولى فحص النص وتحليله، والثانية ربط القارئ مع العمل الأدبي، وتقريبه بطرق ووسائل من خلال جعله يتفاهم مع عمل المؤلف ويستكشف قيمته.

ويمكن للناقد من قراءة فاحصة صياغة تحليل أدبي شامل يتحدى فهم القارئ الآخر للنص، فيخلق بذلك مساحة أخرى لفهم جمال العالم وتقديمه بشكل أفضل مع تذوّق الشعر.

الناقد بحاجة دائما للأدوات اللازمة لدراسة وتقييم وتفسير الأعمال الأدبية وليخلق للكاتب فرصاً في كتابة أعمال أدبية توسع مداركه، وتمهد له أرضية جديدة للإبداع، والأديب بحاجة إلى تحسين مواهبه الكتابية، وأن يبدأ بممارسة النقد الذاتي، ومن ثم قبول النقد الآخر.

إن النقد المفيد هو المحفز الأهم الذي تبحث المؤسسات الثقافية عنه لدعم الأدب، وأعمال الشعراء التي يضعون فيها قلوبهم وأرواحهم، وتشجيع تقاربهم مع الناس، وتفسير قصائدهم، وهذا هو المشروع الأهم، وذو الأولوية لترسيخ قيمة الأدب والمحافظة على الشعر ديواناً للعرب، ويبدأ من وضع سياسة محكمة تربط بين أطراف الأدب الثلاثة، من نقاد وكتّاب وقرّاء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2vya7s78

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"