عادي
أين نقد الشعر؟

فارس النص

22:11 مساء
قراءة 7 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

النقد بصفة عامة في الساحة الثقافية العربية ليس في أفضل حال، سواء كان هذا النقد ثقافياً أم فكرياً أم أدبياً. تؤشر عافية النقد على ازدهار الحراك الثقافي وعلى نوعية المنتج الإبداعي وعلى رؤية تحكم المهمومين بالشأن الثقافي. في عافية النقد حياة مضافة للثقافة وجدل مثمر بين أطراف الكتابة ومعارك تفتح أبواباً لا نهاية لها للنقاش والحوار الخلاّق. إشكالية النقد في الحالة الشعرية مركبة، فقليل من النقاد لا يجدون ما يشتغلون عليه، فالزمن زمن رواية والكثير من الشعراء هجروا الشعر إلى الحكي أو جفوا شعرياً ولم يعد لديهم ما يقولونه، أزمة النقد في مفصل الشعر مركبة وتحتاج إلى مزيد من الإضاءة، وهذا هو موضوع هذا الملف من «الخليج الثقافي».

الصورة
1

لئن كان النقد هو من الحلقات المهمة والتي تكاد تكون مفقودة في المشهد الأدبي، فإنه أكثر غياباً في مجال الشعر، حيث إن معظم الحراك النقدي الموجود، على قلّته، متوجه نحو الرواية والقصة، وغيرهما من الأنماط السردية، وهو أمر يبدو غريباً نسبة لمكانة الشعر الكبيرة، وربما ذلك ما يستدعي سؤال النقد في مجال الشعر وكيفية تعميقه بحيث يكون موازياً لحجم الإنتاج الشعري من نصوص ودواوين وظهور مواهب شابة تحتاج للعملية النقدية.

عدد من الشعراء والنقاد الذين تحدثت إليهم «الخليج»، أكدوا أهمية النقد، وضرورة أن يكون هنالك حراك نقدي فعّال تجاه الشعر، حيث أشار بعضهم إلى غلبة الاهتمام بالنصوص الروائية والقصصية، لأن السرد بدأ يطل بقوة على المشهد الثقافي، مؤكدين ضرورة النقد الموضوعي والعملي الذي يبتعد عن المجاملة والانطباعية، كما أشاروا إلى أهمية أن يشتغل النقد الشعري وسط المتلقين أنفسهم عبر ترقية الذائقة الشعرية لديهم حتى يعود ل«ديوان العرب»، مجده وألقه القديم.

الشاعر عبد الله الهدية، تناول النقد الشعري في الواقع الأدبي العربي، قديماً وحديثا، وأشار إلى أن النقد فيه في حالتان: إما مع، وإما ضد، حيث إن هذه الثنائية ظلت متحكمة في المجال النقدي على الدوام، وهي المسؤولة عن كشف مواقع الجمال في الشعر، بالتالي هي ليست حالة سلبية، بل هي من متطلبات النقد.

ولفت الهدية إلى أن النقد تطور، وظهرت فيه العديد من المدارس والتيارات، وأن الناقد في بعض الأحيان ينحاز إلى اتجاه معين، وذلك ينتج عنه ظلم للشاعر، لأن الناقد في هذه الحالة ينظر إلى النص الشعري ويحلله ويفسره من خلال انتمائه للمدرسة المحددة، بينما المطلوب أن يمارس الناقد قدراً كبيراً من الانفتاح نحو التيارات الأخرى، وذلك من الأشياء التي تعمق من فكرة تفعيل النقد الشعري.

وقال الهدية: «النقد يضيء الشعر، حيث إن النص الشعري يجد تعزيزه عند الناقد المتمكن من أدواته الذي يتطور مع تطور الحركة الشعرية»، مشيراً إلى وجود العديد من الأسماء لنقاد إماراتيين الذين لهم حضور مميز في مجال الشعر.

وشدد الهدية على أهمية القراءة والاطلاع، حيث إن بعض النقاد الأكاديميين القدامى الذين تخرجوا قبل فترات طويلة، واكتفوا بما حصلوا من المعارف الدراسية، لم يتطورا، إذ لابد للناقد أن يشتغل على نفسه إلى جانب المعارف المدرسية، حتى يواكب التطور في الحراك الشعري، كما أن على الشاعر أن يتقبل النقد، وأن يكون لديه ثقة وإيمان بأن هذا النقد إنما يعمل من أجل ترقية الشعر وتطوره.

شخصنة

وأشار الهدية إلى أهمية أن يتخلص النقد من الشخصنة، حيث إن بعض النقاد قد يختلفون مع شاعر، أو مع قصيدة لمجرد أنها كتبت على الوزن العمودي، على سبيل المثال، فالناقد هنا لا يحب الشعر التقليدي القديم على طريقة الخليل بن أحمد، وذلك الأمر خلق إشكالية كبيرة في الحركة الشعرية الإماراتية.

وأكد الهدية أهمية التباين في الحركة النقدية، حيث إن اختلاف وجهات نظر النقاد حول النصوص مسألة حيوية وفي غاية الأهمية من أجل تطور الشعر، وذلك الأمر ظل موجوداً منذ القدم، مشيراً إلى الاختلاف الكبير الذي برز حول شعر أبي الطيب المتنبي، بين أدباء ونقاد ذلك الزمان، الأمر الذي خلق فعلاً نقدياً متميزاً تجاه نصوص شاعر العرب الأكبر، وأبرز مكامن الضعف والقوة فيه، وذلك أمر مطلوب بشدة في الحراك النقدي تجاه الشعر.

أدوات

الناقدة د. مريم الهاشمي، أكدت الدور الكبير الذي يعلبه الناقد نفسه، حيث إن من المهم أن يتحرى العدالة عبر عدم تغليبه لمعتقداته الشخصية وآرائه، ولا يسقط كل ما يؤمن به على النص الشعري، فتجرد الناقد من ميوله ورغباته مسألة مهمة في العملية النقدية، فالناقد هو فارس النص، ولابد أن يتحلى بالنزاهة والمسؤولية والحرية.

وشددت الهاشمي على أهمية النقد العلمي والأدوات التي تمكن الناقد من الولوج إلى عوالم النص من أجل تحويله من بنية مغلقة إلى بنية منفتحة على الاختلاف والمغايرة، مشيرة إلى أن هذه العملية تبدو ضرورية جداً لتعميق النقد، والمهم والضروري للناقد أن يكون محايداً وبعيداً عن التحيزات الفكرية والأيديولوجية، وأن ينظر إلى النص من وجهة نظر إبداعية ومستقلة، وذلك ما يطمح أي ناقد للوصول إليه.

وتناولت الهاشمي الدور الكبير الذي تلعبه الجوائز المختلفة في مجال النقد من أجل تعميق حضوره، لافتة إلى أن هناك العديد من المسابقات في هذا الإطار، وهي تعمل على تشجيع النقاد على القيام بأدوارهم، بالتالي هذا يسهم في تطور الحراك الأدبي والشعري بصورة كبيرة، حيث أإن هناك حركة ثقافية لافتة في الدولة، وهي بحاجة إلى عملية النقد، وقد ظل المبدع المحلي على الدوام يبحث عن الناقد لكي يطور نفسه وأدواته، وفي المقابل ظل النقد موجوداً بأنواعه وأشكاله المختلفة من انطباعي وأسلوبي ومنهجي، ومن المهم النهوض بالنقد وتطويره بصورة أكبر.

مصطلحات جاهزة

من جانبه، فإن الشاعر كريم معتوق، قدم العديد من الملاحظات حول عمل النقاد تجاه النصوص الشعرية، والملاحظة العامة على الأغلب الأعم من الكتابات النقدية وجود كم كبير من المصطلحات يتم تطبيقها على النص الشعري بصورة جاهزة، على الرغم من اختلاف الشعراء وتجاربهم، بل إن بعض النقاد يسقط نفس الدراسة النقدية التي أجراها على ديوان أحدهم، على مجموعة شعرية لشاعر آخر، وتلك ممارسات لابد من التخلص منها من أجل تطوير فعل النقد.

وذكر معتوق أن من المهم والضروري أن يقوم النقاد بدراسة الشعر بطريقة وأسلوبية إبداعية، بحيث تكون العلاقة هي بين مبدعين اثنين، مقترحاً أن يكون هنالك ما يشبه الكتالوج في الدراسات النقدية تجاه الشعر، لأن ذلك من شأنه أن يمنع وجود قوانين ومصطلحات جاهزة يتم إسقاطها على كل تجربة، فهذا الكتالوج يقدم رؤية مستقبلية للشعر، ولكل شاعر حسب إبداعه.

مفارقة

وأشار معتوق إلى أن العرف السائد هو أن يمشي الناقد خطوة خلف الشاعر، فهو ينتظر ماذا يقدم هذا الأخير حتى يقوم بنقده وتحليله وتفسيره، والبحث عن المعنى داخله، وما يجب أن يحدث هو أن تصبح الخطوة موازية، حتى يقدم الناقد رؤية قد تكون غائبة عن الشاعر، خاصة في وسط الشعراء الشباب.

ولفت معتوق، إلى أن السائد في الحراك النقدي، إما نقد يعمل عبر أقوال محفوظة، أو هو مجرد نقد انطباعي؛ أي أن ينحاز الناقد إلى نص معين لأنه يلامس شيئاً في نفسه، والمطلوب هو أن يسود النقد المبدع، أن يكون إبداعاً على إبداع وليس قراءة لنصوص، ذلك الأمر مؤثر وفاعل في الحراك الشعري، ويضرب معتوق الكثير من الأمثلة من المجادلات التي جرت بين الكتاب والأدباء والنقاد العرب حول تعزيز دور النقد في الحياة الشعرية.

بينما يشير الشاعر خالد الظنحاني، إلى الكثير من المبادرات التي تعمق من دور النقد في مجال الشعر خاصة تلك التي تطلقها دائرة الثقافة في الشارقة من جوائز نقدية، وهي من الأمور التي تشجع النقاد والمثقفين والشعراء الذين لديهم اهتمامات نقدية من أجل العمل على تطوير الحراك الشعري، فالساحة الشعرية بحاجة للجوائز والورش الأكاديمية التي تعلي من قيمة النقد ودوره تجاه الشعر.

تفرغ

وأكد الظنحاني أهمية التفرغ بالنسبة للنقاد، إذ لابد من مكافآت ودعم للناقد حتى يقبل على عمله من دون أن تشغله مشاغل الحياة ومتطلباتها، فالحراك الشعري في الإمارات كبير ويحتاج من الناقد مواكبة التدفق الإبداعي المستمر، وذلك الأمر يتطلب التفرغ بالنسبة للنقاد.

وأشار الظنحاني إلى أن هنالك مسؤولية تقع على عاتق الشعراء أنفسهم، وهي العمل من أجل تطوير تجاربهم وأدواتهم وصقل مواهبهم، حيث إن هنالك استسهالاً كبيراً في كتابة الشعر، خاصة في مجال قصيدة النثر، إذ أصبح كل من لا يمتلك موهبة، يكتب ما يتخيله قصيدة نثر، فلابد من الشعراء أن يقبلوا على الاطلاع والتعمق في القراءة وعدم الاستسهال وفي ذات الوقت عدم الاستغراق في التعقيد والغموض.

وطالب الظنحاني، النقاد بالابتعاد قدر الإمكان عن النقد الانطباعي والمجاملة، حيث إن الكثير من النقد في المجلات والصحف يقوم على الاستسهال، فهو لا يفيد الشعراء والمبدعين، في حين أن المطلوب هو النقد الذي يوجه الشاعر ويكشف عن المميزات والعيوب في النصوص.

وشدد الظنحاني على ضرورة الانفتاح من قبل النقاد على التجارب الشعرية المختلفة، حيث ظل النقد في كثير من الأحيان، محصوراً على السرد من قصة ورواية وشذرات وغيرها، وعلى الرغم من أهمية هذه الأنماط الإبداعية، لكن الإقبال عليها لا يعني إهمال الشعر الذي هو «ديوان العرب».

وذكر الظنحاني أن النقاد لديهم دور تجاه المتلقي نفسه وتوجيهه نحو قراءة الشعر، عبر إعداد الدراسات النقدية حول الدواوين والمجموعات الشعرية للشعراء بمختلف اتجاهاتهم وتجاربهم، فهذه الدواوين صارت لا تباع، واتجه القراء نحو الرواية، وذلك يتطلب من النقاد عملاً يرفع الذائقة ويروج للشعر.

أشكال

«هنالك نقد شعر هدام وآخر بنّاء»، هكذا تحدث الشاعر أحمد المطروشي، في سياق تناوله لأنواع وأشكال النقد الشعري، مشيراً إلى أن هنالك أدواراً كثيرة تنتظر النقاد، خاصة في ما يتعلق برفع مستوى الذائقة الشعرية عبر الدراسات التي تبحث في المعنى وما خلف المعنى، وتكشف عن مواطن الجمال في النصوص الشعرية.

وشدد المطروشي، على أهمية النقد الأكاديمي والعلمي والمنهجي، ومن الضروري أن يعتمد الناقد على مجموعة من الأدوات العلمية التي تجعله يقبل على النص الشعري من موقف العارف، مشيراً إلى أن هنالك العديد من الأسماء التي بدأت تلمع في سماء الحراك الشعري والإبداعي لنقاد يتسلحون بالمعرفة، الأمر الذي يحتاجه الحراك الشعري في الإمارات.

وأكد المطروشي ضرورة أن يهتم النقد بالتجارب الشعرية الجديدة، لا أن يكتفي بالشعراء الكبار فقط، وتلك هي الطريقة التي تعزز من وجود النقد، وكذلك لابد للنقاد أن يتعرفوا إلى الخلفيات والبيئات المختلفة التي قدم منها الشعراء، حيث إن أسلوبية الشاعر الذي نشأ في الصحراء تختلف عن ذلك الذي ترعرع في على الساحل، أو في المناطق الحضرية، وكل ذلك من الأشياء التي يجب أن يهتم بها النقد.

اقرأ أيضاً

أكثر من زمن للأدب

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/323uwckd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"