أسلحة الذكاء والمخاوف الأمريكية

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ندى أحمد جابر  *
نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية مؤخراً مقالاً بعنوان «مع دخول أسلحة الذكاء الاصطناعي في سباق التسلح تشعر أمريكا بخوف شديد للغاية». أثار هذا العنوان العديد من التساؤلات، على الرغم من أن المخاوف الأمريكية ليست جديدة، لكن توقيته اليوم خاصة مع الخوف من التطور الذي تشهده الصين في مجال الذكاء الاصطناعي أخذ بعداً آخر.

 وكان الكاتب الإيرلندي جون نوتون كتب تقريراً صدر عن (لجنة الأمن القومي للذكاء الاصطناعي) حذر فيه من «أن الصين قد تحل قريباً محل الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى للذكاء الاصطناعي في العالم، وأن هذه الأنظمة ستُستخدم في السعي وراء السلطة». 

وأشار الكاتب إلى أن اللجنة «حثت الرئيس بايدن على رفض الدعوات لفرض حظر عالمي على الأسلحة ذاتية التشغيل قائلة: «إنه من المرجح ألاّ تلتزم الصين وروسيا بأي معاهدة توقعانها». واعتبر أن ذلك كان أقوى مؤشر حتى الآن على قلق الهيمنة الذي يجتاح الولايات المتحدة في مواجهة الإصرار الصيني المتزايد على التفوق في ميدان الذكاء الاصطناعي. علماً بأن العديد من الباحثين استقالوا أمثال جيفري هنتون الذي ترك (غوغل) وأعلن أن الاستمرار في السباق جنون. ومنهم من وقّع رسالة مفتوحة تدعو إلى التوقف فوراً عن تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي لتكون أقوى من (GPT4).

 لكن الحقيقة أن لا الاستقالة ولا الرسالة ستجدي، حيث أشارت «الغارديان» إلى أن احتمال تفوق الصين في الذكاء الاصطناعي العام، يبدو وكأنه تهديد وجودي للهيمنة الأمريكية. وأضافت أن عمالقة التكنولوجيا يؤججون هذه المخاوف الوجودية. وهكذا نجد أن العالم اليوم أمام سباق تسلح جديد قد يتفوق على الأسلحة النووية من ناحية الخبث والمفاجأة المُدَمِرة، وأكثر ما يثير المخاوف كون تلك الأسلحة لا تخضع لمراقبة دولية ولا توجد حتى الآن قوانين دولية تحد من تطورها كما هي الحال بالنسبة للأسلحة النووية. ولا ننسى وجود شواهد على إلحاق الصواريخ النووية بمعززات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يجعلها قادرة على الخروج عن سيطرة القرار البشري عند استشعارها لأي خطر.

 وفي نظرة سريعة على الدراسة التي قدمها جيمس جونسون الأستاذ بجامعة ليستر في بريطانيا، والمتخصص في الدراسات الأمنية والتي جاءت بعنوان «الذكاء الاصطناعي وحرب المستقبل» نجده يحذر من التهديدات التي ينطوي عليها استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري وانعكاساته على إعادة ترتيب موازين القوى. ويناقش فيها المنافسة والسباق السري في تطوير الأسلحة الذكية بين الولايات المتحدة والصين.

 الخطر الأهم في نظر الكاتب هو القدرة التي ستكتسبها هذه الأسلحة باتخاذ قرارات سريعة وتلقائية بناء على المعلومات المعززة، وهو الأمر الذي له من الإيجابية أنه يُجنبها الأخطاء البشرية، ويُكسبها ميزة تنافسية مقارنة بأنظمة اتخاذ القرار التقليدية، لكنه قد يخرج عن السيطرة ويؤدي إلى كارثة، وهو يرى أن إدماج الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري يعني إدخال مُتغير جديد في المعادلة العسكرية، لن تتساوى فيها الجيوش التي تستخدم التكنولوجيا الجديدة مع غيرها. ولعل هذا هو سبب السباق المجنون، ولعله أيضاً سبب تأخر صدور قانون يحد أو يراقب هذه الأسلحة.

 ومن ناحية أخرى، نجد أن الذكاء الاصطناعي، سيشكل الثورة الثالثة في الحروب، أو في سياق آخر الثورة الصناعية الرابعة.. لذلك، فإن اندماج الذكاء الاصطناعي مع الأسلحة سيضيف إليها تقنيات تعزز قدرتها مثل الإدراك البصري والتعرف إلى الصوت والوجه، وكذلك استخدام الخوارزميات في صنع القرار لتنفيذ مجموعة من العمليات (الجوية والبرية والبحرية) وبشكل مستقل عن الإشراف والتدخل البشري. 

 السباق لتطوير الأسلحة الذكية خاصة ذاتية التشغيل بدأ في عدة بلدان منها الصين، وألمانيا، والهند، وإسرائيل، وكوريا الشمالية، وروسيا وبريطانيا. ويتحدث الباحث عن التهديدات التي سيواجهها الأمن العالمي في حال استمر هذا السباق بشكله السري وبلا رادع أو قانون دولي.. ويَتوقع الباحث أن الصين ستكون لها الأسبقية في هذا التنافس الخفي. أما عن مكامن القوة الصينية، فقد ألمح إلى أنها بحلول عام 2030 ستمتلك (30%) من بيانات العالم وتعد البيانات الضخمة ثروة هائلة في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي. وفي حين تتمتع الصين بأفضلية تحقيق التكامل (المدني- العسكري)، فإن الولايات المتحدة تواجه تحديات مع شركات وادي السيليكون كمثال.. إعلان غوغل إيقاف تعاونها مع البنتاغون.

 مما تقدم نجد أن الحصان الرابح بدأت تظهر ملامحه.. وهنا نذكر ما قاله نابوليون بونابارت «ويل للعالم إذا استيقظ الرجل الأصفر».

* كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p98hzf9

عن الكاتب

كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"