عادي

النقد البيئي يحلل «النصوص الخضراء»

19:48 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

كتاب «الشعر الإماراتي في ضوء النقد الأدبي البيئي»، للدكتورة عائشة جمعة الشامسي، الصادر في طبعته الأولى عن دائرة الثقافة في الشارقة 2021، هو من تلك الدراسات النقدية التي تطرق مجالاً جديداً، وهو النقد البيئي الذي يدرس العلاقة بين النص والبيئة بمكوناتها المختلفة، ويحقق انتصاراً لها في مواجهة التحديات التي قد تحدق بها مثل: التلوث، والزحف العمراني، وخلاف ذلك من أخطار تهدد الأمكنة في وجودها، بالتالي فإن الدراسة هي بمثابة لفت الانتباه، كما أنها تتضمن مسألة التعبير عن الوعي بالمكان، مما يدور فيه، وأنسنته، وجعل هذه المظاهر ذات رمزية معينة يحكمها السياق.

المقصود بالشعر الإماراتي في هذا البحث المهم، هو ذلك الذي صدر في دواوين أو نشر في دوريات لشعراء من الإمارات بعد إعلان قيام الاتحاد في عام 1971، مع التركيز على الشعر الذي نشر في السنوات القريبة الماضية؛ لإظهار علاقته بالبيئة وما تتعرض له جراء التقدم الحضاري، وكيفية تغيرها عما كان في الماضي.

الكتاب يقع في 248 صفحة من القطع المتوسط، وينقسم إلى باب أول هو بمثابة «مدخل نظري عام»، وثان يتحدث عن «البيئة الطبيعية في ضوء النقد البيئي»، وثالث يتناول «البيئة البيولوجية في ضوء النقد البيئي»، ورابع يحكي عن «البيئة الصناعية في ضوء النقد البيئي»، وكل تلك الأبواب تتضمن عدة فصول شارحة ومعمقة للفكرة، مع قائمة بالمصادر والمراجع والإشارة إلى الدراسات البحثية التي سبقت هذا الكتاب في ذات المجال في العالم العربي، إلى جانب مجموعة من النصوص الشعرية التي تبين العلاقة بين الشعر والنقد البيئي.

والكتاب لم يترك شاردة أو واردة حول البيئة كمفهوم في التاريخ والعصر الحديث، إلا وأوردها وتوقف عندها، حيث كان هذا المجال المتعلق بالبيئة ودراساتها يجد اهتماماً في الكتابات الغربية القديمة عند فلاسفة الإغريق، فالاحتفاء بالبيئة وبمكوناتها كان على الدوام يبحث عن حلول تؤدي إلى تعزيز تكيف الإنسان معها، ويشير الكتاب إلى أن معدلات التلوث تزايدت مع الثورة الصناعية، وعلى إثرها بات الإنسان يشعر بأن سلامة البيئة شرط لسلامته الشخصية، وذلك الأمر فرض موضوع البيئة بقوة وصار شاغلاً وجد طريقه إلى الخطاب الأدبي.

  • نصوص مؤسسة

يتناول الكتاب معنى البيئة وفلسفتها، ويخلص إلى أن الفلسفة الايكولوجية شكلت جوهر العلاقة بين الأدب والبيئة، كما أنها كانت مسؤولة عن ظهور وقيام ما بات يعرف بالنقد البيئي، والذي بدوره وجد نصوصاً أدبية يستند إليها، ويشير إلى أن ما يحدث في الطبيعة ينعكس على الإنسان في كل أحواله، ويلفت إلى أن النقد البيئي قد جاء استجابة لما يسمى «اخضرار العلوم»؛ بمعنى امتداد أفكار الفلسفة المهتمة بالبيئة «الايكولوجيا»، إلى العلوم الطبيعية، وهو ما حفز كذلك العلوم الإنسانية إلى الاهتمام بالبيئة أيضاً ومنها النقد الأدبي، ولعل ظهور قصائد أو نصوص «خضراء»؛ أي متصالحة مع البيئة وتدعو للحفاظ عليها، هو الذي قاد إلى ظهور النقد البيئي، حيث ظهرت بالفعل في وقت سابق أشعار في أنحاء مختلفة تمجد الطبيعة كتلك التي انتشرت في أوروبا في القرن السادس عشر، وهي نفسها مستوحاة من الشعر الرعوي القديم الذي كان يكتبه كل من ثيوكوتيس وفراجيل، وغيرهما من الذين تغنوا بالبرية والطبيعة التي لم تلطخ بيد المدنية.

غير أن مفهوم النقد البيئي تعمق أكثر في القرن الثامن عشر، حيث باتت تلك النصوص التي تمجد الطبيعة تناقش من قبل النقاد، وكانت تلك الأشعار بمثابة إرهاصات لأدب وشعر المستقبل لكونها تحمل معاني الخوف على الطبيعة، وحذرت تلك النصوص من ذلك الوحش القادم في أثواب مختلفة مثل التمدن والصناعة والتكنولوجيا، وقد تصاعد الخوف على مستقبل الأرض بعد الحربين العالميتين، وهبوط الإنسان على سطح القمر، ليرى البشر كوكب الأرض وهو يسبح في الفضاء، والاتجاه الشره نحو الثورة الصناعية، وبالمقابل التخلص من الغابات كي تتمدد المدن، وطرح مخلفات المصانع في البحار والأنهار، ويتميز هذا الأدب المقاوم لمخاطر البيئة بالحنين للماضي، حيث الأرض الخضراء البكر والخالية من التلوث، وذلك نجده في كثير من النصوص العالمية، ومنه قصيدة جوناثان بيت الخالدة «أغنية الأرض».

ويشير الكتاب، إلى أن مجال النقد البيئي في النص الأدبي يدرس جمالية الطبيعة، واستكشافها وتجربة الشاعر فيها، واستخدامها المجازي بوصفها فضاء محيطاً بالإنسان، إضافة إلى الأماكن غير المأهولة كالبراري وغيرها، والمدينة وما تمثله للشاعر، حيث إن الناقد يبحث في القصيدة أو الإبداع الأدبي عن ثيمة البيئة، ومدى وعي النص بالعلاقة الحميمية بينها وبين حياة الإنسان، فالنقد البيئي بحسب الناقد جورج جرارد هو ذلك «الذي يدرس العلاقة بين الأدب والبيئة المادية، فكما يبحث النقد النسوي في العلاقة بين اللغة والأدب من منظور واع للجنس، ومثلما يستحضر النقد الماركسي وعياً وإدراكاً لأنماط الإنتاج، والطبقة الاقتصادية عند تعامله مع النصوص الأدبية، يتخذ النقد البيئوي منهجاً يرتكز على الأرض في تعامله مع النصوص الأدبية».

ويقدم الكتاب تطوافاً شاملاً في ما يتعلق بالنقد البيئي عند العرب عبر العديد من الدراسات التي أجريت في هذا الشأن، خاصة ابن خلدون الذي قدم تفصيلاً لعلاقة الإنسان ببيئته، وعبر هذا المدخل يتناول الكتاب الأدب الإماراتي ونقده، ويشير إلى أن تأخر هذا المجال في الإمارات؛ أي النقد البيئي، هو نتاج تأخره في العالم العربي ككل، لكنه يبرز بقوة في الإبداع الإماراتي، حيث إن الأدب الإماراتي ظل زاخراً بمفردات البيئة مثل الصحراء والبحر والجبال، وكذلك فإن المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، القائد والأب المؤسس، كان شديد الحرص على ترسيخ الفلسفة البيئية، حيث عملت الدولة على حماية البيئة ومكافحة التلوث وقهر الصحراء.

  • مفردات

يتوسع الكتاب في تناول الشعر الإماراتي الذي تغنى بمفردات البيئة التي احتلت مكانة كبيرة في النصوص الشعرية الإماراتية، مثل البحر والصحراء والمطر والإنسان والحيوان والنبات والبنايات، مع نصوص لشعراء إماراتيين مثل: حبيب الصايغ، ومانع سعيد العتيبة، وإبراهيم محمد إبراهيم، والهنوف محمد، وصالحة غابش، وحارب الظاهري، وكريم معتوق، وسلطان العويس، ومحمد عبدالله نور الدين، وحصة عبدالله، وسالم أبو جمهور،، وسيف محمد المري، وعبدالله السبب، وهدى الزرعوني وغيرهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrpt5ukt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"