نحتاج إلى الدبلوماسية لا الحروب

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

هناك شخصيات متعمقة في تقييم الأحداث الكبرى من أزمات وحروب، يهتم بمتابعتها حتى المختلفون معهم في الرأي، ومنهم من تتفق كثير من مراكز الفكر السياسي في العالم على تفرد رؤيته للأحداث الدولية، وتوقعاته لنتائجها مستقبلاً.

أتحدث هنا عن، أرود جيرارد، السفير الفرنسي السابق في أمريكا، وفي الأمم المتحدة، والضيف واسع الانتشار في منتديات المناقشات السياسية، والإقبال على نشر مقالاته في العديد من صحف العالم، واستضافته في شبكات التلفزيون باعتباره خبيراً متميزاً في قضايا الشؤون الخارجية، وكونه عضواً أساسياً في عدد من المراكز البحثية منها، على سبيل المثال، مجموعة الأزمات الدولية Trustee، ومركز «اتلاتنيك كونسيل» للبحوث السياسية، وغيرهما.

 وطوال العامين الماضيين ذاعت آراؤه وأحاديثه، ليس لمتابعين عاديين فقط، بل أيضا لكثيرين من صناع قرار السياسة الخارجية في واشنطن، حتى لو لم يكونوا متفقين مع آرائه. حتى إن صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية قالت إن آراءه كانت تحدث أحياناً ردّ فعل هيستيري، خاصة ما يتعلق بتشخيصه للمفاهيم السياسية الأمريكية.

 وينطبق ذلك على قوله: «إنني لا أعتقد أن الأمريكيين سيغيّرون من سلوكهم، فهم يعتقدون أنهم منارة الحرية للعالم». وأيضاً ما جاء في حديثه مع المركز الأمريكي للدراسات السياسية «كوينسي»، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من انتقاد لنظرة الولايات المتحدة للنظام العالمي، وأنه يتأسس على السيطرة الغربية، في حين أن سيطرة الغرب كانت نتيجة لشكل ميزان القوى عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهو الميزان الذي تغيّر، ولم يعد قائماً على حالته القديمة نفسها، ثم إن طول زمن الهيمنة الأمريكية كان لا بدّ أن يدفع بقية العالم، وبصورة متزايدة، إلى معارضة انفراد الولايات المتحدة بالتصرف في شؤون تخص جميع دول العالم.

 وحدث حين استضافته المؤسسة الفرنسية – الأمريكية المختصة بإدارة حوارات بين شخصيات قيادية من البلدين لمناقشة حول حرب أوكرانيا، فإنه سئل عما إذا كنّا نحن في الغرب، نقلل من أهمية تصاعد المشاعر المضادة لنا في بقية دول العالم؟ فأجاب بالإشارة إلى واقعة كان عاصرها بنفسه، وقال: لقد اكتشفت أثناء عملي سفيراً في الأمم المتحدة، زيادة مشاعر الاستياء التي كان يعبّر عنها سفراء من دول العالم الثالث، ضد الغرب عموماً. خاصة أنهم يرون أن الغرب يتعامل بازدواجية مع قضاياهم، وليس أدل على ذلك من غزو أمريكا للعراق عام 2003، وقضايا أخرى عالقة من دون حل في الشرق الأوسط.

 ثم أضاف إلى ذلك أن من المؤكد أن سيطرة أمريكا على العالم في طريقها للنهاية، وأن ما يحتاج إليه العالم الآن هو التسلح بالدبلوماسية، والتفاهم المتبادل، وليس التسلح بالسلاح والمعدات العسكرية فقط، لأننا مقبلون على عصر جديد ومختلف.

 وإن ذلك هو نفسه ما لابد منه لحل النزاع حول أوكرانيا، بإجراء حوار دبلوماسي، ومناقشات للوصول إلى حل يراعي مصالح الطرفين المتنازعين. وطالما أننا ننظر إلى تلك الحرب من وجهة نظر الغرب وحده، فإن ذلك يجعلنا نتصور أن الدول الأخرى ستقف إلى جانبنا، بينما الحقيقة التي تكشفت هي أن روسيا تلقى تعاطفاً من كثير من هذه الدول.

 وفي عرض رأيه بالنسبة للقضية نفسها، فإنه قال إن الرئيس جو بايدن ليس لديه نية أو رغبة في التحدث مع الرئيس بوتين. ولا مانع لديه من ترك الحرب لتظل مشتعلة طالما أنها تستنزف روسيا.

 ويؤكد جيرارد أيضاً، أن الهيمنة الأمريكية على العالم سوف تنتهى، حتى لو اتخذت الولايات المتحدة من السياسات ما تحاول بها إيقاف عجلة الزمن والتاريخ لتعطيل تلك النتيجة الحتمية.

 الواضح أن آراء أرود جيرارد تلقى انتشاراً واسعاً في الولايات المتحدة، رغم أنها تتخذ مساراً يختلف مع الكثير من المفاهيم والتوجهات، سواء على مستوى النخبة، أو في دوائر الحكم. فلأكثر من مئة عام، ظهرت في الولايات المتحدة مراكز الفكر السياسي Think Tanks، باعتبارها جزءاً من صناعة السياسة على مستوى النخبة المتخصصة، بحيث تكون مكملة لمن يتحملون تلك المسؤولية في إطار الحكومة، بوزرائها المختصين، خاصة الخارجية، والدفاع، والرئيس في البيت الأبيض، ومعاونيه في مجلس الأمن القومي.

 في هذا الإطار التقليدي الذي ما زالت له جذوره في أرضية النظام السياسي، كانت الفرصة متاحة للانتشار واسع النطاق لأفكار أرود جيرارد، وليجد له بيئة مواتية يطرح فيها آراءه على تلك الصورة، حتى لو جاءت على غير هوى الإدارة الأمريكية الحالية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr352an8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"