هجوم الكرملين.. وتصعيد حرب أوكرانيا

00:47 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول *

في حادثة غير مسبوقة، سوف يكون لها ما بعدها، تم استهداف الكرملين بمسيّرتين في 3 مايو/ أيار الجاري، وأسقطتا فوق مركز مقر الحكم في روسيا تقريباً، بطريقة أوضحتها صور مذهلة تم التقاطها بالكاميرا بشكل بيّن. وقد اتهمت روسيا أوكرانيا على الفور، بشنّ هجوم إرهابي لاغتيال الرئيس، فلاديمير بوتين، وتوعدت بالرد الانتقامي. من جهتها، نفت أوكرانيا تورطها في هجوم الكرملين.

 وبقطع النظر عمن وراء هذا الهجوم، فإنه مثّل القشة التي قصمت ظهر البعير، يؤدي إلى تسريع دخول الحرب في مرحلة تصعيد قد تكون حاسمة بالنسبة إلى مآلاتها. فقد تراكمت مؤشرات عدة منذ حلول فصل الربيع على اتجاه الحرب الروسية-الأوكرانية، التي دخلت شهرها ال15.

 والواقع أنّ حرب أوكرانيا تمر بمرحلة من الجمود والاستنزاف منذ أن خفّ، ثم توقف الهجوم الأوكراني المضاد الذي انطلق في أواخر أغسطس/ آب، وأوائل سبتمبر/ أيلول، وأسفر عن تحقيق تقدم كبير للقوات الأوكرانية في جبهتي الجنوب (تحرير مدينة خيرسون في الجنوب)، والشمال (تحرير مدينة بالاكليا في مقاطعة كاركيف). ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لم يتمكن أي من الطرفين (روسيا وأوكرانيا)، من تحقيق أي اختراق، أو تأمين مكاسب إقليمية ذات بأس. فلم تتمكن القوات الأوكرانية من عبور نهر دينبرو، لاستعادة سائر أقاليم مقاطعة خيرسون المحتلة، ولم تستطع القوات الروسية تأمين سيطرتها على مقاطعتي الدونباس في الشرق (تسيطر روسيا على 94% من مقاطعة لوهانسك و54% من مقاطعة دونيتسك)، برغم استمرار القتال في الشرق والجنوب والشمال الشرقي الأوكرانية، مع تركزه في إقليم الدونباس، الذي يعد الجبهة الرئيسية، لاسيما في مدينة باخموت.

 وهكذا، فإنّ الهجوم على الكرملين يؤشر لولوج الحرب مرحلة تصعيد، قد تكون حاسمة، في الأسابيع أو الأشهر المقبلة. ومن أهم المؤشرات الأخرى التي تدفع في الاتجاه نفسه، استهداف شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، ومناطق روسية حدودية بمسيّرات، وحرب عصابات أوكرانية. ولنتذكر أنّ روسيا لطالما حذرت من أن انتهاك سيادتها الإقليمية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، خط أحمر قد يؤدي تجاوزه إلى إشعال حرب نووية في المنطقة، وربما العالم. وبرغم تفهمنا أن تكرار التهديد الروسي باستخدام الأسلحة النووية موجه أساساً للجمهور الروسي؛ أي للاستهلاك المحلي، ويستهدف ردع الحكومات الغربية عن إرسال مزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، إلا أنّ مهاجمة الأراضي الروسية والقرم يعد عاملاً كافياً لتصعيد روسيا حملتها العسكرية على كييف. ويندرج في ذلك أيضاً نشر أسلحة نووية تكتيكية روسية في بيلاروسيا. ومن الصحيح أن الأسلحة التكتيكية تختلف عن نظيراتها الاستراتيجية في أن الأولى يمكن توظيفها في مسرح العمليات لتوجيه ضربة محدودة من دون التسبب في تداعيات إشعاعية واسعة النطاق. كما أنّ العقيدة العسكرية لروسيا تقضي بتوظيف الترسانة النووية إذا تعرضت أراضيها للهجوم. ولكن لم يُرصد أي مؤشر لاستعداد روسيا لاستخدام أسلحة نووية. كما أن استخدام الأسلحة التكتيكية غير مأمون العواقب؛ فقد يتطور إلى مواجهة نووية شاملة بين روسيا والغرب. أما المؤشر الآخر الذي يدفع في اتجاه التصعيد، فهو عودة الضربات الصاروخية والجوية الروسية واسعة النطاق على المدن الأوكرانية، بما فيها كييف. وكانت روسيا أخذت في شن هجمات صاروخية وجوية مكثفة وواسعة النطاق، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي؛ بهدف تدمير البنية التحتية الأوكرانية، خاصة منشآت الطاقة الحيوية. فضلاً عن ذلك، فإنّ استمرار الحرب بوضعها الراهن يزيد من استنزاف القدرات العسكرية الروسية.

 من ناحية أخرى، بدأت عملية أوكرانية ل«تطهير الشريط الأمامي» للضفة الشرقية من نهر دنيبرو، بمقاطعة خيرسون (جنوب)؛ ما قد يمهد لهجوم أوكراني مضاد (هجوم الربيع) تزايدت التكهنات بشأنه، وأنه ينطلق من مقاطعتي خيرسون وزابوريجيا في الجنوب. وما يزيد من التكهنات هو بدء القوات الروسية إخلاء جزئياً لمناطق في المقاطعتين المذكورتين. كما أنّ مزيداً من الأسلحة الغربية المتطورة تتابع وصولها لأوكرانيا، ولاسيما المقاتلات (MiG-29)، فيما يبدو أنه مؤشر لتغير سياسة الدول الغربية بعدم تزويد أوكرانيا بالمقاتلات، ونظام الدفاع الصاروخي (باتريوت)، فضلاً عن إعلان الولايات المتحدة تزيد أوكرانيا بصواريخ قصيرة المدى تطلق من الجو (هيدرا 70) لأول مرة.

والخلاصة أنّ حرب أوكرانيا تدخل في مرحلة تصعيد قد تكون حاسمة لجهة تحديد مآلها، خاصة في ضوء عدم وجود أية مؤشرات على حل سلمي للحرب.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/7futczk9

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"