رؤية مأزومة للتاريخ

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

كيف يبصر العرب التاريخ؟ أعمال فكرية وتحليلية كثيرة قاربت ذلك السؤال، خاصة أن هناك من يؤمن بأن امتلاك مفاتيح الحاضر تقع هناك في الماضي. قدم الكثيرون إجابات بمختلف ألوان الطيف عن ذلك السؤال، هناك من ذهب إلى أن رؤيتنا للتاريخ متدهورة فأفضل الأزمان بالنسبة إلينا كانت في الماضي، والأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، وجاءت هذه الأطروحة غالباً في إطار الدراسات التي تبحث في مسألة النهضة العربية، وتستعيد عصور النهضة السابقة، وتنتقد الفشل في تحقيق نهضة راهنة ومستقبلية، وبالنسبة إلى هذه الأطروحة حدثت النهضة هناك في الماضي، وبالتالي فإن ذلك الماضي كان دائماً أفضل من الحاضر.

  رؤية أخرى أدركت مسار التاريخ في دورات، فما حدث يتكرر مرة أخرى بين فترة وأخرى، وإذا كنا امتلكنا ناصية الحضارة ذات يوم، فربما نعيد امتلاكها ثانية في المستقبل القريب، وهي رؤية أقرب إلى الأمنيات، وغالباً ما كانت تبصر الدورات الحضارية سجالاً بين الغرب والعالم العربي، حتى فوجئت بصعود الشرق الأقصى، ولم يكن في جعبتها ما تقدمه إزاء هذا الصعود، بل وتجاهلته، كأنه لم يكن، وردد بعضهم «لا أمل لنا في النهوض طالما الحضارة في أيدي الغرب».

  هناك رؤية ثالثة ترى التاريخ جامداً وثابتاً، خاصة في ما يتعلق بطرائق التفكير وإدراك العالم والتعامل معه، فالعربي ابن القرن الحادي والعشرين لا يختلف في هذه الحقول عن العربي الذي كان يعيش قبل الإسلام، وهي رؤية مغرقة في النخبوية، ولا تلتفت إلى تغير العادات والسلوك ونوعية المعيشة وأساليبها، وانعكاس كل ذلك على الروح والتعاطي مع الحياة.

  إذن، نحن أمام تاريخ لا خطي، لا يستطيع أن يسير باطراد، وليس بإمكانه التقدم إلى الأمام، هو يتدهور باستمرار، أو يتكرر، أو يقف في مكانه، مع ما يؤدي إليه ذلك من نزعة تشاؤمية انهزامية محبطة، فليس في الإمكان أبدع مما كان، ونحن لا نستطيع الإضافة على ما قام به أسلافنا، ولا يمكننا إلا استهلاك ما انتجوه من أفكار، وأقصى ما نحلم به هو تكرار ما فعلوه. 

  اللافت كذلك، ليس تعاطينا مع مسار التاريخ، وفهمنا له، ولكن هناك تعامل مفكرينا وكتابنا معه، فمعظم معاركنا الفكرية واستلهاماتنا الأدبية والفنية تتقاطع مع التاريخ، بصورة أو أخرى، بل ويمتد هذا التصور إلى مناهج التاريخ في مراحل التعليم المختلفة، وحتى على مستوى الفرد العادي في الحنين إلى الماضي، وهي سمة عربية نجدها بصيغ متعددة ومختلفة. أي أننا أمام حالة عامة تسود في مجتمعاتنا على كل المستويات، ولا تتعلق برؤية نخبوية وحسب.

  السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل هي حالة صحية؟ وهل يمكن الانخراط في الحاضر والإعداد للمستقبل ورؤيتنا للتاريخ على هذا النحو؟ وكيف نستطيع بناء نهضة أو تحقيق تقدم والحاضر يتدهور باستمرار، والعقلية أسيرة في قبضة الماضي لا تستطيع الفكاك منه؟ والأهم من ذلك هل هناك فرصة لبناء تصور مختلف لمسار التاريخ؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9epcvv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"