فقر السياسة البريطانية

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

رغم النجاح الواضح لحزب العمال في الانتخابات المحلية في أغلب مناطق إنجلترا قبل أيام، إلا أن الحزب المعارض بحاجة إلى المزيد لترجمة ذلك الفوز إلى انتصار واضح في الانتخابات البرلمانية على مستوى البلاد العام القادم. ليس فقط لأن اتجاهات التصويت في الانتخابات المحلية تقوم أساساً على عوامل خدمات الحي أكثر منها على السياسة العامة للأحزاب، كما في الانتخابات البرلمانية، ولكن لأن ما حدث في الانتخابات المحلية كان يشكل أكبر خسارة لحزب المحافظين الحاكم.

 ونتيجة خسارة الحزب الحاكم لعدد كبير من المجالس المحلية التي شهدت انتخابات في أغلب إنجلترا، ما عدا العاصمة لندن، لم يكن الفوز بتلك المقاعد البلدية قاصراً على حزب العمال المعارض الرئيسي؛ بل إن الحزب الثالث الأصغر وهو«الأحرار الديمقراطيون» حققوا أيضاً انتصارات في عدة مجالس بلدية على حساب خسارة المحافظين.

 تبقى النتيجة الرئيسية من الانتخابات المحلية، هي هزيمة واضحة لحزب المحافظين الحاكم، وخاصة لرئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك الذي يأمل في أن يقود الحزب في الانتخابات العامة القادمة. صحيح أن سوناك ليس المسؤول الوحيد عن تدهور ثقة الناخبين البريطانيين في حزب المحافظين، بل تتحمل رئيسة الوزراء السابقة وسلفها بوريس جونسون المسؤولية الأكبر عن تدمير تلك الثقة. والواضح من نتائج الانتخابات المحلية، التي كانت أول اختبار انتخابي لسوناك، أنه لم يستعد تلك الثقة.

بالتالي، فقدر كبير من النجاح الذي حققه حزب العمال لا يعود إلى زيادة كبيرة في ثقة الناخب البريطاني في الحزب المعارض، وإنما على الأرجح نتيجة التصويت الاحتجاجي على المحافظين – أي رفض الناخبين للحزب الحاكم.

 في الانتخابات العامة الأخيرة عام 2019، مُني حزب العمال المعارض بهزيمة كاسحة بينما حقق حزب المحافظين الحاكم وقتها أيضاً فوزاً كبيراً بقيادة بوريس جونسون. وعلى حزب العمال أن يضمن انتصاراً كاسحاً بمعدلات أكبر في الانتخابات العامة، العام القادم من النسب التي حققها في الانتخابات المحلية. 

ذلك كي يفوز بأغلبية وبرلمانية واضحة وحاسمة تمكنه من تشكيل الحكومة. أما الفوز بمعدلات قريبة من فوزه في المحليات ستعني «برلماناً معلقاً» مهما كانت خسارة حزب المحافظين الحاكم. إذ إن قدراً معقولاً من خسارة المحافظين سيذهب للأحرار الديمقراطيين والأحزاب الصغيرة والمستقلين. وسيكون حزب العمال مضطراً للتحالف مع الأحرار الديمقراطيين لضمان أغلبية برلمانية تمكنه من تشكيل الحكومة.

 المشكلة الحقيقية هي أن السياسة البريطانية بشكل عام أصابها فقر شديد، حتى لا تكاد تجد خلافاً كبيراً في التوجهات والسياسات العامة بين الحزبين الرئيسيين، المحافظين الحاكم والعمال المعارض. بل إن زعيم حزب العمال السير كيير ستارمر يزايد على ريشي سوناك وتيار معارضة أوروبا في حزب المحافظين. ويقدم نفسه على أنه الأقدر على ترتيب اتفاق الخروج من أوروبا (بريكست) بالشكل الأفضل.

أما الأحرار الديمقراطيون، وإن كانوا ضد بريكست لكنهم أيضاً ليسوا مع البقاء في أوروبا. ولا يتوقف الفقر السياسي على موضوع (بريكست)، بل إن السياسات المطروحة لمواجهة ارتفاع كلفة المعيشة على جموع البريطانيين وإقالة الاقتصاد البريطاني من عثرته لا تحمل أي ابتكار أو إبداع من أي جانب من جوانب الطيف السياسي البريطاني.

 وما يطرحه حزب العمال بزعامة ستارمر لا يختلف كثيراً عما طرحه توني بلير نهاية القرن الماضي، من توجهات اقتصادية أقرب للمحافظين منها للتوجه اليساري التقليدي للعمال. وإذا كان بلير تمكن بذلك من تحقيق فوز كاسح في 1997 على المحافظين، فإن حظوظ ستارمر ليست مثله تماماً بل أقل. وحتى لا يبدو الحزب متمسكاً بحقوق العمال، الذين يمثلون القاعدة الانتخابية التقليدية له، يطرح سياسات اقتصادية «محافظة» محابية للشركات والأعمال في مزايدة على حكومة ريشي سوناك.

 ومع فقر السياسة، سيكون الاقتصاد هو العامل الحاسم في الانتخابات البرلمانية العام القادم. وتأتي في وقت يعاني الاقتصاد البريطاني التدهور بمعدلات أسوأ من أي اقتصاد لدولة من الدول المتقدمة. ويكفي ما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي نصف السنوي، عن توقعات النمو العالمي من أنه حتى الاقتصاد الروسي سيحقق نمواً، بينما سينكمش الاقتصاد البريطاني هذا العام. وينظر البريطانيون إلى نظرائهم في الدول الأوروبية عبر القنال الإنجليزي وكيف أن الأسعار عندهم أقل ارتفاعاً مما هي في بريطانيا. ولا يعرف الناخبون من سيمكنه تخفيف العبء عليهم من الأحزاب المتنافسة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc5h7hu6

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"