محمد خليفة
من المعروف أن الأمن الاقتصادي لا يتحقق إلا من خلال تكامل مجموعة من العوامل، ولعل أهم عوامل الرخاء الاقتصادي تكمن في بناء استراتيجية زراعية تلبي في المقام الأول حاجة الوطن حاضراً ومستقبلاً.
من هذه المنطلقات، يمكن النظر إلى المشاريع الغذائية التي أشرقت على الوطن في الآونة الأخيرة، والتي أعلن عنها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، والتي تهدف إلى توفير الغذاء السليم لأبناء دولة الإمارات. هذه المشاريع تصب في تعزيز موقع الشارقة، وتدفع باتجاه نجاح الرهان الجاد على نجاح التجربة الزراعية. ومن يستعرض الخطط السامية يوقن بأن سموه قد رسم خريطة الشارقة الاقتصادية في عالم الزراعة والصناعة والعمران وفق الفكر التنموي والتخطيط السليم، وتأكيد كبير للرفع من مستوى المعيشة للمواطن والمقيم في جميع جوانب حياته اليومية، لضمان الاستقرار الاقتصادي والنفسي والاجتماعي، من خلال الاهتمام بكافة المشاريع الغذائية والتنموية والخدمية.
إن كل من ينظر إلى هذه الإنجازات يدرك أن وراءها رجل ثاقب الفكر بعيد النظر يستشرف غد وطنه، ليضع في «الأمس» إمارة المستقبل، ويعزز أعمدتها ويقود بنيانها، حتى شمخ صرحها شموخاً قياسياً. صاحب السمو الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، الذي كشف في الأول من مايو(أيار) 2023 عن أحدث المشاريع الغذائية الجديدة وهو «مشروع الأبقار» الذي يضم أبقاراً مستنبطة، لم يسبق توزيعها من قبل لأي بلد في العالم، وقد استوردتها الشارقة من موطنها الأصلي؛ لتستخلص منها أجود أنواع الألبان المملوءة بالفوائد الصحية؛ حيث سيصل اللبن للمستهلك بصورته الأصلية دون أي تدخل أو إنقاص من مكوناته الغذائية. ويضم هذا المشروع الكبير، في مرحلته الأولى، ألف بقرة مستحسنة، وسيكون من أضخم المشاريع الحيوانية الحالية التي ستنعكس فوائدها الإيجابية على التنمية بمعناها الشامل.
كان صاحب السمو قد أطلق من قبل مبادرات للتوسع بالزراعة، وتم إنشاء مشروع الصوبات الزراعية في المنطقة الوسطى، والذي يضم مرافق وأجهزة حديثة تستخدم في عملية الزراعة ضمن البيوت الزراعية من أجل زيادة الإنتاج الزراعي العضوي، ويستهدف مشروع الصوبات الزراعية مساحة ثمانية هكتارات، لينتج هذا المشروع ما يكفي إمارة الشارقة من الخضر والفاكهة الخالية من الكيماويات الضارة. وفي شهر نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي أطلق المرحلة الأولى لمزرعة القمح في منطقة مليحة، والبالغ مساحتها 400 هكتار.
وتشمل مشروعات الأمن الغذائي أيضاً، دعم الثروة الحيوانية والسمكية، من خلال تطوير المزارع ودعم المزارعين والصيادين، إضافة إلى وضع الأنظمة والضوابط التي تحد من الاستخدامات السيئة في الإنتاج الغذائي. وفي هذا الخصوص فقد أصدر مرسوماً بقانون بشأن تنظيم هيئة الشارقة للثروة السمكية، وتهدف الهيئة إلى المحافظة على الثروة السمكية وتنميتها في الإمارة، وتحقيق الأمن الغذائي.
وتأتي هذه المبادرات التي أطلقها سموه في إطار خطة وطنية شاملة على مستوى الدولة، لتطوير قطاعات الزراعة وتربية الماشية؛ من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء في عالم يتجه نحو الندرة في مصادر الإنتاج المختلفة؛ ومنها الإنتاج الزراعي؛ بسبب تغير أنماط الحياة في مختلف مناطق العالم، لذا يتم العمل عبر منظومة متكاملة تشمل اعتماد استراتيجيات وطنية وإيجاد بنية تشريعية وقانونية داعمة.
ففي العام الماضي تم إطلاق النظام الوطني للزراعة المستدامة، والذي يهدف إلى زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي في الدولة من المحاصيل الزراعية، وتحسين المردود الاقتصادي للقطاع، وزيادة الاستثمارات فيه وتوظيف التكنولوجيا لرفع الإنتاجية الغذائية للقطاع الزراعي. وتهدف الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051 إلى تطوير منظومة وطنية شاملة تقوم على أسس تمكين إنتاج الغذاء المستدام، من خلال توظيف التقنيات والتكنولوجيا الحديثة، وتعزيز الإنتاج المحلّي، وتنمية الشراكات الدولية لتنويع مصادر الغذاء، وتفعيل التشريعات والسياسات التي تسهم في تحسين التغذية والحدّ من الهدر، لضمان الأمن الغذائي في كافة الظروف. ما يعزز مكانة الإمارات في مؤشرات الأمن الغذائي العالمي، وتحويلها إلى مركز للأمن الغذائي القائم على الابتكار.
وقد تصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة، الشرق الأوسط وشمال إفريقيا- على المؤشر العالمي للأمن الغذائي العام الماضي – الصادر عن«إيكونوميست إيمباكت»، واحتلت دولة الإمارات المرتبة الأولى في المؤشر الفرعي لتوافر الغذاء، والمرتبة الثانية في مستوى جودة وسلامة الغذاء.
أدام الله علينا الأمن والرخاء والعزة والرفعة في ظل قيادتنا الرشيدة.
