كيف نتجنب مرحلة ثالثة من الاضطراب؟

22:54 مساء
قراءة 4 دقائق

محمد العريان*

لقد استقرت الظروف، ولكن يجب ألا نتوقف عن العمل لتلافي المزيد من الارتدادات القاسية للهزات المصرفية الأخيرة

استقرت المرحلة الأولى من الاضطراب الناجم عن الهزات المصرفية الأمريكية، الآخذة في التطور، مخلفة إخفاقات نتجت عنها تدفقات هائلة ومفاجئة للودائع الخارجة من البنوك ذات الإدارة السيئة وغير الخاضعة للإشراف الكافي.

أما المرحلة الحالية، التي تركز على تكاليف التمويل وقضايا الميزانية العمومية للبنوك الأقل إشكالية العاملة في منطقة غير مستقرة للغاية، فيمكن أن تستقر أيضاً. لكن في الواقع، يجب علينا أن نتجنب مرحلة ثالثة تترتب عليها أضرار مالية واقتصادية أكبر بكثير.

لنبدأ بالأخبار السّارة. من غير المحتمل أن نشهد مجدداً نوع الانهيار الدرامي الذي عصف ببنك وادي السيليكون، حيث تدفقت 42 مليار دولار من الودائع في يوم واحد، وكان من المتوقع أن يتبعها 100 مليار أخرى في اليوم التالي لو لم يغلق المنظمون البنك.

ويرجع هذا الخبر السار إلى عاملين رئيسيين، الأول من خلال الممارسة وليس التغيير القانوني، حيث أشارت السلطات إلى أن سقف الضمان الحكومي البالغ 250 ألف دولار للودائع الفردية قد تم رفعه بغطاء غير محدود. والحيلة بسيطة، يعلن الاحتياطي الفيدرالي فقط عن استثناء منهجي للمخاطر. والعامل الثاني، فتح بنك الاحتياطي الفيدرالي نافذة تمويل تسمح للبنوك لمدة عام واحد بتبادل الأوراق المالية بالقيمة الاسمية التي تكون أقل بكثير في السوق. وهذا يقلل من مخاطر اضطرار البنوك إلى البيع بخسارة لمواجهة تدفقات الودائع الخارجة وتزويدها بتمويل مدعوم.

لقد كان هذا الاستقرار «المهم» بعيداً عن الكمال بالطبع لأنه عالج جزءاً فقط من ضغوط النظام المصرفي، في حين ألحق أضراراً جانبية وعواقب غير مقصودة. ولا يزال هناك عدد مقبول من البنوك الإقليمية الأمريكية يعمل مع عدم تطابق بين الالتزامات قصيرة الأجل والأصول طويلة الأجل، كما أن ميزانياتها العمومية مثقلة بالقروض العقارية التجارية.

علاوة على ذلك، تخضع هذه البنوك لقانون تنظيمي لا يضمن تغطية كافية لرأس المال، وهو خطأ يتم تضخيمه من خلال الإشراف غير المنتظم الذي تم تفصيله في تقييم بنك الاحتياطي الفيدرالي الخاص بفشل «إس في بي». كما أنها تبقى عرضة لدورة رفع أسعار الفائدة التي يُسيء الفيدرالي ذاته التعامل معها. وكل هذا من المرجح أن يثبط حماس النظام المصرفي الأوسع لتقديم الائتمان حتى لو تضاعفت المخاطر الأخلاقية الناجمة.

لحسن الحظ، ليس لدى هذه البنوك العديد من نقاط الضعف الهيكلية المباشرة مثل نظرائهم الذين فشلوا. ولنأخذ على سبيل المثال، بنك «باك ويست»، الذي وجد نفسه في وضع صعب الأسبوع الماضي، وقاد تراجع أسهم البنوك الإقليمية الأمريكية، وانخفضت الودائع غير المؤمن عليها لديه بنسبة 25% مقارنة بما حل ببنك وادي السيليكون أو «فيرست ريبابليك». كما أن قاعدة عملاء باك ويست أكثر تنوعاً إلى حد كبير. ومع ذلك، سيتعين عليه حل مشكلات الميزانية العمومية وتجاوز تكاليف التمويل المرتفعة في وقت يشوب فيه التوتر الشديد الأسواق.

لم يكن مزاج السوق مفاجئاً حتى الآن هذا العام، إذ فشلت البنوك التي لديها أصول تزيد على 530 مليار دولار، متجاوزة بالفعل إجمالي عام 2008 خلال الأزمة المالية العالمية بعد تعديل التضخم. والطريقة التي تهاوت بها مؤسسة فيرست ريبابليك تلعب دوراً أيضاً. حيث ثبت أن المواءمة النظرية للحوافز بين الجهات الفاعلة الرئيسية غير كافية لضمان إيجاد حل مناسب في الوقت المناسب.

ورأى المساهمون أن حيازاتهم في فيرست ريبابليك فقدت أكثر من 95% من قيمتها قبل أن يستحوذ عليه بنك «جيه بي مورغان». ولا تزال الأسواق تعاقب أسهم البنوك، خاصة تلك التي تتحدث عن وزن «الخيارات الاستراتيجية». مما يترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام دورات مفرغة جديدة.

بالنظر إلى ما سبق، لا يزال بإمكاننا احتواء هذه المرحلة الثانية من الاضطراب المصرفي من خلال بعض الخطوات المدروسة. أولاً، على البنوك أن تهتم أكثر بما تقوله، وبشكل عام، يكون لديها تواصل واستجابة سريعين مع المستثمرين، وهو درس تم استيعابه بالفعل من قبل عدد قليل من المؤسسات. ثانياً، يجب على بنك الاحتياطي الفيدرالي تعزيز نظام الإشراف الخاص به. ثالثاً، يجب اتخاذ قرارات بين القطاعين العام والخاص للبنوك لكي تعمل وفقاً لجدول زمني أكثر إحكاماً إذا لزم الأمر. والخطوة الرابعة تتمثل في ضرورة طمأنة القطاع العام للأسواق أنه بدلاً من النهج المخصص المتبع حتى الآن في معالجة مشكلة ما بطريقة عفوية ودون هيكل أو خطة محددة مسبقاً، سيعمل القطاع على تجديد نظام تأمين الودائع وتنظيم البنوك التي «شُخّصت خطأً» بأنها لا تنطوي على أي تهديد منهجي.

يعتبر القيام بذلك أمراً ضرورياً إذا كانت الولايات المتحدة راغبة في تلافي مرحلة ثالثة، وأكثر ضرراً بشكل ملحوظ، من الاضطراب المصرفي. وإذا انهار مزيد من البنوك، الأقل إشكالية، في الأسابيع القليلة المقبلة، فإن التأثير في النظام المالي والاقتصاد سيكون أكثر أهمية.

* رئيس كلية كوينز بكامبريدج ومستشار «أليانز» و«غراميرسي»

* فاينانشال تايمز

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/52jp682v

عن الكاتب

خبير اقتصادي وكبير المستشارين الاقتصاديين لشركة أليانز Allianz

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"