مخيلة القراءة

22:35 مساء
قراءة 3 دقائق

د.باسمة يونس

تعددت الأفكار والنصائح التي تدور حول كيفية اختيارنا كتباً للقراءة، بداية من اختيارات الأصدقاء أو رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وانتهاء بالقوائم التي تنشرها معظم الصحف المعروفة، محلياً وعالمياً.

وتركز هذه الصحف على نشر قوائم تذكر أنها من قراءات مشاهير الأدب والفكر والسياسة، ولطالما وجدت هذه الطريقة غير مفيدة لأسباب عدة، أولها أن معظم الصحف تتجه إلى الترويج لمواطنيها من الكتاب والمؤلفين، بغضّ النظر عن قيمة وجودة محتوى مؤلفاتهم، عدا عن أن القرّاء يتجهون عاطفياً ناحية امتداح الكتب التي تتضمن محتوى يرتبط بمشاعرهم، أو يمثل حياتهم شخصياً، فما يفيدهم لن يفيد غيرهم، وما يتفاعلون معه لن يتفاعل معه الآخرون.

كما يركز مشاهير الأدب والسياسة على الكتب التي تساعدهم على التأليف، أو الحصول على معلومات تخص الأعمال التي يقومون بها في فترات معينة، وأحياناً بهدف الترويج لأعمالهم شخصياً.

وكنتيجة للتطور التكنولوجي غزت الحسابات التي تنشر صور أغلفة الكتب أو ملخصات عنها تطبيقات التواصل الاجتماعي، وعمد كثير من الناشرين إلى دعم قيام المؤلفين بتوقيع عشرات النسخ في المعارض في بث مباشر أمام الجمهور للإيحاء بارتفاع حجم المبيعات، وهي فكرة تسويقية لا أكثر، ولا تعني أن محتوى الكتاب جيد ويستحق القراءة.

لقد أظهرت نتائج قراءة الكتب الأكثر مبيعاً، أكثر من مرة، أن نسب البيع وحدها لا تعني أن محتوى الكتاب جيد، بقدر ما تعني نجاح الناشر في تسويقها وتوزيعها، عدا عن أن معظم الكتب التي تباع بهذه الطريقة لا تعني، بالضرورة، أنها كتب تستحق القراءة.

وفي نهاية الأمر، هناك دائماً طريقة شخصية خاصة تتعلق بك وحدك، عند اختيارك للكتب ومحتواها، ستفلح في أن تجعلك قارئاً، أو العكس، وتدفعك لمتابعة هذه المغامرة الشيّقة. ولربما تكون جولة استطلاعية قصيرة بين بعض الكتاب المعروفين جديرة بالاهتمام لمعرفة طرق اختيار الكتب التي تستحق الاستثمار في قراءتها، فهم وإن لم يتفقوا على طريقة، لكنهم قدموا لنا أكثر من فكرة تستحق الاهتمام.

بعض الكتاّب مثل الدكتور غازي القصيبي، على سبيل المثال، اقتحموا مغامرة القراءة بكل ما تحمله من معنى، ومن دون تركيز على خيار، فقد قرأ مجموعات كبيرة في مختلف حقول الأدب والفكر والسياسة والاقتصاد قبل بلوغه العاشرة، لتظهر طريقته في اختيار الكتب في تأليفه نحو 60 كتاباً في الشعر والأدب، والرواية، والإدارة، والسياسة. فكما كان يقرأ كان يكتب.

أما الروائي والرسام الأمريكي هنري ميلر، فقد كان الكاتب الوحيد الذي نصح الناس بتقليل قراءة الكتب، وليس المزيد منها، وقصد بذلك تحرّي الدقة في اختيار كتب تغذي العقل وتشبعه، وألا نبذّر الوقت في قراءة كل ما لن يضيف لنا شيئاً. ويخبرنا ميلر أن الكتاب الجيد كان يدفعه للاقتباس من مقولاته، ونشرها ليستفيد منها الجميع مثله.

وهنري الذي قرأ ما يزيد على الخمسة آلاف كتاب خلال ثمانين عاماً من عمره، يعترف بأنه قد أدرك أخيراً أن مئة فقط، من هذه الكتب كانت تستحق القراءة، ليصل إلى المعنى الحقيقي لهذه المتعة اللامحدودة.

وتعتمد اختياراتي الشخصية من الكتب على الأعمال الأدبية، والسّير بشكل خاص، وكثير منها أجدها على منصات تجمع أعمال كل كاتب في مكان واحد، وأخرى في روايات المؤلفين عن محتوى مكتباتهم، أو الكتب التي بدأوا بقراءتها في بداية مسيرتهم الأدبية، وغيرها مما يستشهدون بها في مقدمات كتبهم.

وأهتم كثيراً بالكتب التي تثير الجدل بأفكار غير مسبوقة ومدهشة، لاعتقادي بأن أهم أهدافي من القراءة استثارة مخيّلتي، وحثّي على التفكير والمجادلة لتستحق الوقت المخصص لها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/kpdev6a7

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"