عادي
21 عاماً على رحيله

تريم عمران.. باقٍ في القلوب وحاضر بالفكر

00:59 صباحا
قراءة 7 دقائق
زايد يخاطب المواطنين وإلى جانبه تريم عمران
تريم عمران خلال احدي الندوات
  • كان واعياً بأحداث المنطقة منذ سنواته الاولى
  • ترأس «الوطني» الاتحادي 1977 لدورتين متتاليتين
  • طالب بسريان التشريعات الاتحادية في أنحاء الدولة
  • وضع مذكرة «الوطني» وأوصى بتوسيع صلاحياته
  • شارك وشقيقه مراحل تأسيس الإمارات وقيام اتحادها
  • زايد اختاره سفيراً للدولة بجمهورية مصر 1972

إعداد: جيهان شعيب

منذ 21 عاماً، وفي مثل اليوم ال16 مايو عام 2002، رحل إلى جوار ربه، السياسي البارز، والإعلامي المتمكّن، تريم عمران تريم، صاحب الكيان القومي العروبي، الذي سيبقى ساكناً في قلوب محبيه وأصدقائه، ومعارفه وزملائه، ومتسيّداً ذاكرة الجميع بدوره الفاعل في جميع مراحل تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، مع شقيقه الدكتور عبدالله عمران تريم، رحمهما الله.

ولايزال الإحساس بمرارة فقدان الراحل الكبير قائماً، وألم رحيله المبكر موجعاً، وإن كان غيابه وثّق حضوره الباقي في الأفئدة، فبصماته لا يمكن أن تمحوها سنوات الغياب وإن طالت، ولا مشاغل الحياة، ومجريات أحداثها، وإن كثرت، ولا مفردات الحداثة، وإن طمست أجزاء من أصالة الماضي.

لا يمكن أن ينسى أحد الحزن الذي دهم الجميع، حين إعلان وفاته في أحد مستشفيات لندن، إثر معاناته مرضاً عضالاً، ليصمت حينها وللأبد، صوته الحازم الحاني الذي طالما كان مسموعاً في أروقة، مؤسسة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، ومكاتبها، تلك المؤسسة التي أسسها مع شقيقه الدكتور عبدالله عمران عام 1970، وتولى رئاسة مجلس إدارتها حتى وافته المنية.

الصورة
1

سيرة حافلة

وفي سيرة الراحل الكبير تريم عمران، نجد أنه أبصر الحياة في إمارة الشارقة عام 1942، ودرس مرحلته الأولى في «مدرسة القاسمية» في الشارقة، وأكمل دراسته الإعدادية فيها. ومن ثم، ولمرحلة قصيرة، انتقل إلى دولة الكويت، ودرس مع شقيقه عبدالله، في «ثانوية الشويخ». ثم عادا إلى الشارقة، ليستكملا دراستهما الثانوية في «مدرسة القاسمية». ثم توجه تريم عمران، إلى جمهورية مصر العربية، والتحق بكلية الآداب في جامعة القاهرة. وعقب تخرجه عمل في «ثانوية العروبة»، فمديراً ل «مدرسة المعارف» في الشارقة.

وعي مبكر

ومنذ سنوات تريم الأولى، وخلال دراسته الابتدائية، كان واعياً بأحداث المنطقة، ومستوعباً تفاصيلها، ما مهّد لتكوين شخصيته الوطنية القومية العروبية، الملتزمة المناصرة للحق، وفي ذلك روى عنه، محمد دياب الموسى الذي كان أستاذه حينذاك «بدأت علاقتي مع الراحل حين كان تلميذاً في المدرسة القاسمية في الشارقة، وكان زملاؤه في الدراسة من الذين صاروا في ما بعد النخبة في السياسة، والفكر، والاقتصاد في الإمارات، وفي هذه المرحلة، برزت ملامح هؤلاء الطلبة، وقد تمتع تريم، على حداثة سنّه، بقوة الشخصية، وحسن التصرف في كل المواقف التي كان يتعرض لها. كما كان متفاعلاً مع الأحداث الجارية المحلية أو العربية. وكانت المدرسة القاسمية في خمسينات القرن الماضي، مركزاً حضارياً، واجتماعياً قبل أن تكون مدرسة تعليمية، تعلم طلابها حب الوطن، وتعلقهم بقيم دينهم، ودرسوا تاريخهم المجيد. وحاول الاستعمار كثيراً ترويض هذه المدرسة، وتصدى مدرسوها، وطلبتها لهذه المحاولات، وكانت المدرسة تنظم مهرجانها السنوي الذي يضم فعاليات رياضية، وفنية، وجاءني تريم عمران وقال لي: عندي تمثيلية ستعجبك، ونريد أن نقدمها في المهرجان، وعندما اطلعت عليها ذهلت فقد كانت تمثيلية سياسية من النوع الثقيل، وان اتخذت شكلاً، أو قالباً ساخراً».

1
معرض الشارقة للكتاب

صحوة كبرى

وأضاف الموسى: «كانت المسرحية - التي كتبها تريم وبعض زملائه - تتحدث عن الاستعمار، والتخلف، والهيمنة الأجنبية على المنطقة ومخاطرها، ومع حرج الوضع الإقليمي في المنطقة، خاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 الذي شاركت فيه بريطانيا التي تحتل الإمارات. وافقت على المسرحية، وحضر المعتمد البريطاني عرضها، وفهم المغزى منها، فانسحب من مشاهدة العرض قبل أن ينتهي، واستدعاني للتحقيق في دار الاعتماد، وطلب مني معاقبة الذين قاموا بهذا العمل «العدواني» على حد قوله، ولكني رفضت ذلك بإصرار».

وهنا أتت يوماً كلمات الراحل تريم عمران، عن أهمية مدرّسيه والتعليم وقتذاك، حيث قال «كانت هناك قفزة في التعليم جاءت مع الصحوة القومية الكبرى على امتداد الوطن العربي كله، في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، وكانت المدرسة شعلة من الحماسة لهذه الصحوة، وعندما فتحت المدارس وجاء المدرسون بجهود أشقاء عرب كانت هذه شهادة على تقصير المستعمر، وإمعانه في إهمال المنطقة، كما كانت شاهداً على الارتباط بين العلم والتحرر».

وأضاف، رحمه الله، «دفعت منطقتنا الثمن مضاعفاً، فلم يكتف البريطانيون في إرساء قاعدة «فرّق تسد»، وفي وضع الألغام الحدودية الموقوتة في المنطقة فحسب، إنما كان لهم في جنوب الخليج كله سياسة مضادة للتعليم والثقافة، منسجمة مع موقفهم في سد سبل التطور التنموي كافة، وكان المعتمد البريطاني هو المشرف على تنفيذ هذه السياسة».

شخصية قومية

أما الشخصية القومية للراحل تريم عمران، فتبلورت خلال دراسته الجامعية أوائل عقد الستينات بكلية الآداب في جامعة

القاهرة، حيث كان يرى أرض الكنانة مشروعاً حضارياً تنويرياً عربياً، دشّنه الزعيم جمال عبد الناصر، مع بداية ثورة يوليو، وفي ذلك حرص على حضور المنتديات الفكرية والسياسية، واعترك بالمنظمات الطلابية المصرية والعربية، لاسيما أنه كان رئيساً لاتحاد طلبة عُمان الذي يضم في عضويته معظم طلبة دول الخليج العربي.

وانحاز تريم عمران، تلقائياً وبسعة أفق، واستنارة فكر، ووعي وتوازن، للتيار القومي العربي الذي يرى الزعيم عبد الناصر، صاحب مشروع وحدوي، وتحرري، واستقلالي صالح للوطن العربي، لاسيما منطقة الخليج، وتأثر بالرؤى الناصرية التي كانت تنادي بالاستقلال والوحدة. وكان ناشطاً رئيسياً في تعريف المجتمع الطلابي المصري، بمنطقة الخليج، لانخراطه في النشاط الثقافي والاجتماعي في الجامعة.

مسيرة مشرّفة

وبالنظر في مسيرة الراحل تريم عمران، نجد أن المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، اختاره سفيراً للإمارات في جمهورية مصر العربية، حين قيام الدولة عام 1972، ومارس العمل الدبلوماسي بتميز لنحو خمس سنوات. وفي عام 1976 ترأس وفد الإمارات في الجامعة العربية، وكان أول مندوب لها فيها، ويُسجّل له عدم تغيبه عن أي من اجتماعاتها.

وعن تلك المرحلة، قال يوماً الراحل سيف سعيد بن ساعد، وكيل وزارة الخارجية «عرفت المرحوم تريم عمران من قرب، عندما عملت إلى جانبه، وكان سفيراً للدولة في جمهورية مصر العربية، إبّان قيام الدولة عام 1972، عرفته زميلاً، وأخاً، وأستاذاً، تعلمت منه الكثير في السياسة، والدبلوماسية، والعلاقات الاجتماعية، وفنّ إتقان الحياة، وأتذكر أنه كان لا يفوّت أياً من اجتماعات الجامعة في مختلف أنشطتها، وكان من الدبلوماسيين الذي يتركون بصماتهم في كل مقترح، أو توصية، أو قرار يسهم في العمل العربي المشترك، أو يدعم التضامن العربي، أو يعزز من تقوية العلاقات العربية في إطار الجامعة».

وبمرور السنوات، وفي عام 1977، ترأس تريم عمران، المجلس الوطني الاتحادي لدورتين متتاليتين، وكانت له بصمة مميزة، في تجنب الانحياز للقبلية، وتغليب المصلحة العامة، وتطوير أسلوب النقاشات، وجاء التطوّر الكبير، خلال هذه

المرحلة، بوضعه وصياغته مواد المذكرة المشتركة، التي كان المطلب الأساسي فيها توطيد أركان الاتحاد وتعزيزها، ولأهميتها ناقشها المجلس الوطني، وعقد لها مع مجلس الوزراء جلستين مشتركتين عام 1979.

دستور دائم

وكانت لتريم عمران، رحمه الله، خلال ترؤسه المجلس الوطني الاتحادي، مطالبة بتوسيع الصلاحيات الاتحادية، وتقليص السلطات المحلية، إلى جانب إصراره على أن تسري التشريعات الاتحادية، ومشروعات القوانين التي يجيزها المجلس، على كل أنحاء الدولة، إعمالاً لنصوص الدستور، بمنح الاتحاد حق التشريع، ورفضه تمديد دستور الدولة، الذي كان وقتذاك ولمدة طويلة مؤقتاً، والتشديد على أن يكون لها دستور دائم، وتحقق ذلك لاحقاً، مع مطالبته بأن يناقش المجلس قانون المصرف المركزي، تطبيقاً للخطوات الدستورية.

1

ذاكرة تاريخ

أما الدور الخالد في ذاكرة تاريخ إمارات الخير، فجاء حين مشاركة الشقيقين الراحلين تريم عمران، ود. عبدالله عمران، رحمهما الله، جميع مراحل تأسيسها، حيث كانا ضمن الوفد الرسمي لإمارة الشارقة في المفاوضات التي سبقت الاتحاد السباعي، وكانا ممن طالبا بتوحيد إمارات الخليج التسع، مطلع سبعينات القرن الماضي، عقب خروج الاحتلال البريطاني.

وعندما كان من الصعوبة بمكان قيام الاتحاد التساعي، كانا من المنادين بإقامة الاتحاد السباعي - دولة الإمارات اليوم- وحينذاك جاء قوله: «عندما شعرنا بأنه لن يُتّفق على اتحاد تساعي، طلبنا أن يضم الاتحاد الإمارات السبع، وقلنا فليكن سباعياً، لأن المنطق والواقع يشيران إلى أن إمارات المنطقة كلها بيوت متجاورة».

صعوبات وتحديات

ومرت «الخليج» حين تأسيسها بمراحل، بدأت بإصدار الشقيقين مجلة سياسية شهرية هي «الشروق»، وواجهتهما صعوبات عدة، منها أنه لم تكن في الشارقة والإمارات المتصالحة مطابع مؤهلة لذلك، فقرّرا التوجه إلى الكويت، واختارا ناشراً يدعى فجحان هلال المطيري، يمتلك مطبعة حديثة مع زوجته غنيمة المرزوق، التي تصدر مجلة أسرية تدعى «أسرتي»، وتعهد لهما بطباعة المجلة (وجريدة الخليج بعد ذلك) تحت الحساب. وكانت المادة الصحفية تكتب في الشارقة. وفي الأسبوع الأخير من كل شهر، يحملها تريم عمران إلى الكويت، ويعود بها مجلة مطبوعة.

بين الشارقة والكويت

بعد ذلك فكّرا بإصدار «الخليج»، أول جريدة سياسية، ومطبوعة يومية تستعرض المستجدات، وبالفعل صدرت في أكتوبر عام 1970، وكانت مثل «الشروق»، تصدر بين الشارقة والكويت، حيث يتولى الصحفيون في الشارقة جمع الأخبار وتلقّيها عبر الهاتف، ثم كتابتها، وإرسالها إلى الكويت، وانتظارها صباح اليوم التالي، وفي ذلك كانت هناك رحلة طيران يومية بين الكويت والشارقة، ولم يكن الأمر سهلاً، حيث خاضت «الخليج» حروباً مهنية وسياسية منذ صدورها الأول، منها مطالبة أصحاب الصحف في الكويت بوقف إصدارها في بلادهم، فضلاً عن حرب الجريدة مع وكلاء شاه إيران في المنطقة، لإصرارها على عروبة الخليج، والجزر الإماراتية.

ومما يذكر في هذا الصدد أن جرأة «الخليج»، وخطابها القومي، أزعجا المعتمد البريطاني في الإمارات المتصالحة، فطالب أكثر من مرة بإغلاق الجريدة، متعللاً بأنها تفسد الجهود التي تبذلها بريطانيا آنذاك لحل مشكلة الجزر، ولإدراكه أيضاً أن «الخليج» صدرت من أجل الخليج الموحد؛ وهنا وفي اجتماع السير وليم لوس، الوزير البريطاني، مع الدكتور عبدالله عمران، طالب بإغلاق الصحيفة، والتوقف نهائياً عن الكتابة عن مفاوضات الجزر، فرفض، وكان ردّه وشقيقه تريم عمران، أن بريطانيا احتلت المنطقة زهاء 150 عاماً، وجعلتها في طيّ النسيان، لا تعليم، ولا صحة، ولا أية خدمات، بينما عندما قررت الانسحاب، تطلب من أهلها السكوت عن جريمة ترتكبها، بتسليم جزء من أراضيها إلى شاه إيران.

تأسيس الخليج

حين التحدث عن القفزة الكبرى والأساسية في حياة الشقيقين الراحلين تريم وعبدالله عمران، نجدها تتركز في تأسيسهما جريدة «الخليج» بإمكانات متواضعة، وكان لذلك قصة تحدّيا فيها الأوضاع المحيطة بالمنطقة، وبوضعهما المادي القليل، ولا يمكن هنا إغفال ما قاله الراحل الدكتور عبدالله عمران، يوماً «كان إصدار «الخليج» تجسيداً لرسالة إعلامية ومبادئ آمن بها المؤسسون، وتبلورت بقيام مشروع وحدوي في الخليج بعمق عربي، وانتماء قومي، وترسيخ الهوية الحضارية العربية، والإسلامية، وتأكيد الذاتية الثقافية العربية المستمر، وطرح أفكار للنهوض، والتنوير، والمعرفة، والحريات العامة، والغاية أن تكون «الخليج» ضمير الوطن والأمة، وصوت الإنسان العربي في كل مكان».

1
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/6vpsdp4y

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"