عادي

«التاريخ الشفاهي الإماراتي»... حكايات لا تنتهي

23:41 مساء
قراءة 4 دقائق
عمار السنجري

الشارقة: علاء الدين محمود
يُعدّ كتاب «التاريخ الشفاهي في دولة الإمارات العربية المتحدة... ضرورة جمعه وتدوينه»، للكاتب الراحل عمار السنجري، والصادر في طبعته الثانية عن ضفاف للنشر والتوزيع في بغداد 2011، من المؤلفات القيّمة لجهة الدعوة لتدوين التاريخ الشفاهي في الدولة، وكانت الطبعة الأولى للكتاب قد صدرت في 2004 عن إدارة التراث بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، وتنبع أهمية الكتاب من كونه ينحاز للمادة المرويّة الشفاهية، من أجل أن تحفظ وتترسخ في الذاكرة، ولتتحول إلى رافعة في عملية التطور الفكري والثقافي في الإمارات.

هذه مسألة شديدة الأهمية فالتقدم الحضاري لأية أمة يستند بالضرورة إلى ماضٍ عريق، وتراث تليد، وخصوصية فريدة.

جاء الكتاب في 220 صفحة من القطع الصغير، واشتمل على مقدمة وعدة عناوين وموضوعات مهمة منها «ما هو التاريخ الشفاهي»، ويركز على أسلوب التفكير ذي الأسس الشفاهية، ولهجة المخاصمة في الثقافة الشفاهية، ويطرح سؤال: هل الشفاهيون أناس أذكياء، وهنالك أيضاً موضوع «أهمية المصادر الشفاهية»، ويتناول مسألة توطين المعلومة التاريخية المتعلقة بالمنطقة، وضرورة العناية بالوثائق البشرية، وتحويل الرواية الشفاهية إلى تاريخ مدوّن، فيما يركز موضوع «إعادة الحفر فيما هو منسي»، على نوستالجيا البداوة، ويطرح أسئلة مثل: هل تتسع الصدور للجمع والتدوين؟ وهل تتسع العقول لعودة القبيلة؟ وهنالك أيضاً عنوان آخر وهو «في منهجية التاريخ الشفاهي». كما يضم الكتاب عدداً من صور الرواة الشفاهيين مع التعريف بهم، مع قائمة بالمصادر والمراجع العربية والمترجمة والأجنبية.

يلفت مؤلف الكتاب إلى أن ما وصل من التاريخ العربي هو المدوّن فقط، وقد انتظر العرب المسلمون أكثر من قرن من الزمان بعد الدعوة الإسلامية، ليبدأوا مرحلة التدوين، حيث كان المجتمع العربي الجاهلي أميا إلى حد ما، بالتالي فإن هنالك الكثير من الأحداث والسير والوقائع لم تصل ولم يطّلع عليها أجيال من العرب، وبعد أن بدأ التدوين تعددت الروايات لكل حادثة وقعت قبل تلك الفترة.

غير أن المؤلف لا يبحث في ذلك التاريخ العربي القديم، بل يتجه مباشرة صوب الماضي الشفاهي المعاصر، وهو ينطلق بدأبه المعروف في البحث، وحبّه للصحراء، وللقبائل العربية، وسيره خلف خطى أولئك الرحالة الذين سبقوه في الكشف والبحث وتدوين ما لم يدون في السجلات الرسمية أو الوثائق، فمسألة تدوين التاريخ الشفاهي؛ تعني البحث عن تفاصيل الحياة اليومية مع من هم أكبر سنّاً، من الرجال والنساء الذين هم بمثابة خزانة تحتفظ بكنوز من المعلومات والذكريات والحكايات التي لا تنتهي، لذلك فإن الكاتب يحاول الإمساك، في هذا الكتاب، بتلك اللحظات الآنيّة من أجل تدوينها، وهو يدرك بحدسه البحثي أن الرواية الشفاهية، رغم أهميتها الكبيرة، إلا أنها لا تخلو من بعض المآخذ مثل التعصب والانحياز وغير ذلك، لذلك فإن مهمة المدون تبدو شديدة الصعوبة.

سرديات

وفي واحدة من أهم محطاته، يعرف الكتاب «التاريخ الشفاهي» المتمثل في تلك السرديات التي تروى بواسطة أبناء كل فترة عن حقبتهم، وهو يعد مصدراً من مصادر تاريخ الأمم والشعوب، حيث تظل الأحداث وحركة المجتمع ومنعطفاته محفوظة في صدور من عاصروها وعايشوها بدقائقها، وتفاعلوا مع وقائعها، وتأثروا بها، وكل هذه التجارب تظل محفوظة في ذاكرتهم لا تمحوها الأيام والليالي، ويظلون يروونها في مجالسهم الخاصة كمشاهدين ومشاركين في تلك الأحداث التي مرت بهم، ولا شك أن رواية تلك الوقائع، تحوي تفاصيل دقيقة قد لا نجدها في التاريخ المسجل، ولا في الوثائق الرسمية، التي تهتم بنوع معين من الأحداث، ولا تسعى إلى تسجيل دقائق الحياة اليومية والتقاط تفاصيلها الصغيرة، وبصورة خاصة حركة المجتمع، والعلاقات بين الأسر والأفراد، فالرواية المعاصرة للأحداث والتاريخ، هي تلك الرواية المحلية الصادقة التي تقدم صورة حية عن التيارات السياسية والاقتصادية والثقافية والتحولات التي شهدتها المرحلة في مختلف الميادين دون زخرفة أو رتوش، وأهميتها تنبع من كونها صورة طبيعية عما حدث في تلك المرحلة.

ويشير الكتاب إلى أن المؤرخين العرب والمسلمين استخدموا المادة الشفاهية بشكل واسع، بل إن قدراً من التراث العربي المدوّن، في ميادين علمية عديدة، كان في الأصل تراثاً شفوياً، قوامه التداول والرواية الشفاهية، وهنالك إجماع على أن المؤرخين والإخباريين والأدباء والشعراء الأوائل قد استفادوا من المصادر الشفاهية، كالطبري والمسعودي وابن خلدون، فهم كانوا على رأس المؤرخين المسلمين الأوائل الذين اعتمدوا بشكل كبير على الروايات الشفاهية عند تأليفهم لكتبهم، ويكاد الشعر العربي الجاهلي برمته أن يكون شعراً شفاهياً، ومن هنا تبرز العلاقة بين الشعر العربي القديم وبين النبطي، فهما يشتركان في كونهما شفاهيين أساساً، ويرجع الفضل إلى علماء المسلمين الذين قنّنوا قواعد علمية للاستفادة من الروايات الشفاهية وتوظيفها، فأصبحت تلك القواعد علوماً مستقلة، مثل علم الإسناد والرجال والجرح والتعديل ومصطلح الحديث وغير ذلك.

الشعر النبطي

يأخذنا الكتاب في عوالم رحلة ممتعة ومحتشدة بالمعلومات والمعارف، عندما يتحدث عن جهود الرحالة الأجانب في جمع ونشر الشعر النبطي، ففي أواخر عام 1862، وصل الرحالة الإنجليزي وليام غيغورد بالجريف، إلى واحة الجوف، ثم ذهب إلى حائل وبريدة والرياض والهفوف والقطيف، ومنها إلى البحرين وقطر وعمان، ثم نشر في عام 1865، كتابا عن رحلته ترجم إلى الفرنسية والألمانية، ويتحدث في بعض فصوله عن الشعر النبطي في الإحساء، ويحاول أن يجد تفسيراً لكلمة «نبط»، التي نسب إليها هذا النوع من الشعر، وهنالك أيضاً رحالة إنجليزي آخر، وهو تشارلز داوتي، الذي قام برحلة إلى جزيرة العرب عام 1876، وألّف كتاباً عن رحلته تناول فيه كذلك الشعر النبطي لدى البدو وسماته، كما عمل المستشرق التشيكي ألويس موزل على جمع الشعر النبطي والعناية به، وكذلك الألماني سوسين، وغيرهم من المستشرقين والرحالة الذين اهتموا بجمع ونشر الشعر النبطي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yeyprfrx

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"