إعلان جدة.. ومستقبل الصراع في السودان

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. صلاح الغول
دخل أخطر صراع مسلح يشهده السودان في تاريخه الحديث، شهره الثاني، والذّي تدور رحاه بين قوات الجيش النظامي، الذي يقوده عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» التي يقودها محمد حمدان دقلو «حميدتي». ويتركز الصراع في العاصمة الخرطوم، ولكنه تمدد إلى أجزاء متفرقة من السودان (أم درمان، الأقاليم البعيدة في الشمال وكردفان، ومناطق في بورتسودان، ودارفور الكبرى، ولاسيما ولاية غرب دارفور والحدود مع تشاد).
وقد أسفر الصراع، حتى الآن، عن مئات القتلى (أكثر من 750 قتيلاً)، وآلاف الجرحى، معظمهم من المدنيين، إضافة إلى نحو مليون نازح ولاجئ من جميع أنحاء السودان.
وبالجملة، أفضى الصراع إلى أزمة إنسانية متعددة الأبعاد.
وعلى الرغم من إعلان هُدَن عدة لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، يستمر القتال بين الطرفين؛ بسبب تمسّكهما بالخيار العسكري، واقتناعهما بأن معركتهما مباراة صفرية.
ومن هنا، تنبع أهمية مسار جدة لتسوية الصراع، بوساطة أمريكية وسعودية، بين الطرفين. وقد أسفرت المفاوضات بين ممثلي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عن إعلان جدة لحماية المدنيين، في 11 مايو/ أيار الجاري. ثم استؤنفت المفاوضات التي يُتوقع أن تطول، للتوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، وربما الانخراط في تسوية سياسية للصراع.
وقبل التعليق على بنود «إعلان جدة»، تجدر الإشارة إلى أن الالتزام بها لن يؤثر في أي وضع قانوني، أو أمني، أو سياسي للأطراف الموقعة عليه. كما أنه ليس اتفاقاً لوقف إطلاق النار، ولكنه يهدف إلى توجيه سلوك القوات لتأمين المدنيين، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية. وقد تضمن الإعلان التزامات بالسماح بعبور آمن للمدنيين والمسعفين ومنظمات الإغاثة الإنسانية، وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، وعدم استخدامهم دروعاً بشرية، واحترام المرافق العامة والخاصة، وعدم استخدامها للأغراض العسكرية. كما تضمن الإعلان إخلاء طرفي الصراع للمنازل والممتلكات الخاصة، وحظر النهب والسلب، واتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لجمع الجرحى والمرضى وإجلائهم، بمن فيهم المقاتلون،من دون تمييز.
والحقيقة أن «إعلان جدة»، الذّي تمت صياغته بطريقة لا غالب ولا مغلوب، فرضته ضغوط الوسطاء، خاصة الولايات المتحدة، إلى جانب الواقع العسكري على الأرض. وبرغم أن أغلبية هذه الالتزامات، أو جميعها، عبارة عن مبادئ وأحكام في القانون الدولي الإنساني والخاصة بقواعد الاشتباك في أوقات الحروب، نُظر إلى الإعلان أنه خطوة أولى تتبعها مفاوضات لوقف دائم لإطلاق النار. بيد أن الاشتباكات تجددت في الخرطوم وأم درمان، باستخدام الأسلحة الثقيلة والطائرات الحربية والمضادات الأرضية. وهكذا، لم يجفّ الحبر الذي سطّر به إعلان جدة حتى انتهكت الالتزامات الواردة فيه جميعاً، برغم مراقبة تنفيذه عبر الأقمار الصناعية، والرصد الميداني، والتقارير التي ترد عبر الإنترنت.
ويبدو أنّ تصاعد القتال بين الطرفين استهدف حسم المعارك قبل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، رغم أنه كان مقرراً أن ترافق الإعلان هدنة إنسانية تستمر 10 أيام. حيث تنتشر قوات المتحاربين في أنحاء البلاد، ولا توجد مناطق سيطرة واسعة ومحددة، وتتحدد مناطق سيطرتهما في بقع أمنية متناثرة، سوف تسعى إلى التواصل مع بعضها بعضاً، في صراع ممتد، ما لم يتم حسمه عسكرياً لأحد الطرفين، أو تسويته سياسياً. وطبقاً لرئيس الوزراء الأسبق، عبد الله حمدوك، فإنّ الحرب الجديدة في البلاد مهددة بأن تكون أسوأ من تلك التي في سوريا أو اليمن، وربما حتى أسوأ مما جرى في دارفور (2003).
وفي جدة، حيث يُجري ممثلو الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المحادثات، فإنهما لم يتفقا حتى الآن سوى على قواعد إنسانية بشأن إجلاء المدنيين من مناطق القتال وتوفير ممرات آمنة لنقل المساعدات. بيد أن الأمل معقود على الوساطة السعودية والأمريكية لدفع المتفاوضين السودانيين إلى التوصل لاتفاق دائم لإطلاق النار، ومن ثم بدء عملية سياسية لتسوية الصراع سلمياً؛ حتى لا تتحول البلاد إلى ساحة حرب الكل ضد الكل، أو صراع ممتد على نمط الصراعات الداخلية في السودان، كما تبين خبرة البلاد التاريخية.
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ecweksz

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"