عرب اليوم في قمة مختلفة

00:12 صباحا
قراءة 4 دقائق

لا دليل ثابت يدفع للاعتقاد بأن القمّة التي ستنعقد، في نهاية هذا الأسبوع، سوف تصنع قرارات ترمّم ما تصدّع من ثوابت، أو سياسات تصحح ما تشوّه من نوايا طيّبة. لا دليل ثابت، ولكنّ فيضاً من آمال وكنوزاً من طموحات تجعلني، وكثيرين غيري، ننتظر خيراً يطلّ علينا من أعمال هذه القمة بالذات، ليس لأنها تأتي بعد سنوات ضائعة وخيبات أمل خلفت لنا نظاماً إقليميا متدهوراً فقط، ولكن أيضاً لأنها تأتي في خضم تغيرات كبرى شملت متغيرات تبدأ بنظام القمة الدولية، وتنتهي بأحوال كل دولة من دول الإقليم. وبعض هذه التغيرات تجاوزت في حدوثها معدلات التطور المتدرج، وأهم نماذجها:

* أولاً: تغيّرات في نظام توازن القوة عند مستوى قمة النظام الدولي.

شهدت نهاية القرن العشرين غياب الاتحاد السوفييتي كقطب دولي، وتولّي الولايات المتحدة مهام الهيمنة في النظام الدولي، باعتبار أنها صارت قطباً أوحد على قمة النظام. كان لا بد أن يكون النظام العربي، بحكم ضعفه، أول من يتأثر بهذا التغيير الجوهري في هيكل توازن القوى العالمي. وواقع الأمر يشهد أن السلوك السياسي للولايات المتحدة في كثير من الحالات السابقة على انفراط الاتحاد السوفييتي كان ينم عن اقتناع أمريكي، وغربي بشكل عام، بأن الولايات المتحدة تحوز حق التصرف كقطب مهيمن. أما التغير الجوهري في نظام توازن القوى الدولي الذي انعكست آثاره على أحوال السياسة الدولية بشكل عام، ومن ضمنها حال العرب، فكان عندما صعدت الصين صعوداً سريعاً ومتتالياً وشاملاً، حتى احتلت واقعياً مرتبة القطب الدولي الثاني في نظام القمة.

وكان لهذا الصعود والزيادة الكبيرة في حجم التعاملات الصينية العربية، أثره المباشر في السياسات العربية الخارجية.

جدير بالذكر أن دول النظام الإقليمي العربي تنتمي في أغلبيتها العظمى لجماعة دول الجنوب التي عاشت منذ الاستقلال، تتعامل مع تحديات تراثية من نوعين، النوع الأول يتعلق بتراث الاستعمار الغربي، والثاني بتراث وبقايا نفوذ القوى العظمى، الغربية والشرقية، على حد سواء. ومما لا شك فيه أن جانباً من الترحيب بالعلاقات مع الصين يجد جذوره في حاجة هذه الدول لممارسة سياسات تدعم جهوداً تتحدي بها ضغوط أحد التراثين، أو كليهما معاً.

* ثانياً: جوار أشد بأساً. نشأ النظام العربي وقضى أولى مراحله في حماية الدول الكبرى المهيمنة عليه. من ناحية أخرى لم تتباين اختلافات مهمة للقوة في منطقة الشرق الأوسط إلا في مرحلة متأخرة من مراحل تكوين النظام العربي. ففي هذه المرحلة المتأخرة شهد النظام العربي تحديات خطرة ناجمة عن اختلاف متزايد الاتساع في موازين القوة بين دول النظام العربي من ناحية، ودول غير عربية في الجوار من ناحية أخرى. وكانت إسرائيل، ولا تزال، التحدي الأكبر منذ أن زرعها في قلب النظام العربي قادة النظام الدولي المتولد عن الحرب العالمية الثانية. هذه الحقيقة ظل يتوارثها جيل بعد جيل من القادة العرب، حتى أنه يتردد الآن انه لو قدّر وتأخر وصول الإسرائيليين إلى يومنا هذا، وأقصد في ظل توازنات القوة الدولية الراهنة، لما قامت دولة إسرائيل.

يتطور التحدي الذي تمثله إسرائيل ويتلون بتطور السياسات الأمريكية تجاه فرض إسرائيل لاعباً أساسياً في مواجهة نظام إقليمي عربي يزداد ضعفاً وانفراطاً. يحدث هذا في ظل استمرار عمليات توسع اسرائيل في أراضي الفلسطينيين، غير عابئة بمعارضة صورية من جانب العواصم الغربية، ومعارضة عاجزة من جانب الدول العربية. لا جدال في أن قادة الجامعة العربية في مرحلتها الجديدة سوف يأتون إلى اجتماعاتها مزودين بمواقف، ولو إرشادية في بداية الأمر، تحاول بها التصدي لهذا التحدي.

وكان تطوراً مثيراً، ولا شك، إقدام الصين على التدخل لتحقيق تفاهم بين المملكة السعودية وإيران. لم تحاول الاقتراب من الصراع العربي الإسرائيلي لارتباطه الوثيق، من وجهة نظرها على الأقل، بصراع آخر على مستوى أعلى، وهو الصراع او المنافسة المتزايدة إصراراً بين الصين والولايات المتحدة.

* ثالثاً: الاعتقاد المتجدد بأن لا أمل في «عودة الروح» للنظام العربي ومنظمته القومية إلا بالتكامل الاقتصادي. لوقت طويل عانى العمل العربي المشترك من عجز شديد في خطط وممارسات التكامل الاقتصادي. توقفت مشاريع عدة، بعد أن وجدت السبيل للتنفيذ مع الطفرة المالية في أعقاب قرارات حظر تصدير النفط خلال الحرب العربية ضد إسرائيل عام 1973. توقفت المشاريع ومعها تجمدت أنشطة مجموعة متميزة من خبراء التكامل في العالم العربي.

ويعلم القاصي والداني، أن نهضة تكاملية في اقتصادات العالم العربي سوف تعني بالضرورة نهضة تكاملية مماثلة في دفاعات الأمن القومي العربي. وكلنا ثقة باستطاعتنا تحقيق نقلة نوعية في مجال اليقين بجدوى العمل العربي المشترك وأداء أجهزته ومؤسساته، ومنها المعطل حالياً، هذه النقلة صارت بالفعل جزءاً جوهرياً من حلم التجديد العربي.

لا أقلل من خطورة السلبيات والأمراض السياسية والاجتماعية المنتشرة في وضعنا الراهن، ولا أقلل من احتمالات انتفاضتها ضد أي دعوة لتحقيق التكامل الاقتصادي والأمن القومي، ولكني أثق بأن دعوة صادقة وجادة لتدشين عصر عربي جديد كفيلة بأن تطلق عقال مختلف المبادرات الإيجابية. تعِبنا من استمرار الفشل وخيبات الأمل وسوء الأداء وتفاقم الأمراض السياسية وتفشي الفساد والخلافات غير المبررة بين دول في النظام العربي.

أتمنى لو اتفقنا على أن نعتبر أنفسنا أمام فرصة وتحدٍ. فرصة للنهوض يجب ألا تفوّت وتحدي قوى خارجية يجب أن نقابله بالإصرار والأمل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/vxhc3pfk

عن الكاتب

دبلوماسي مصري سابق وكاتب متخصص بقضايا العلاقات الدولية. اشترك في تأسيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام. وأنشأ في القاهرة المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل. عضو في مجلس تحرير جريدة الشروق المصرية ومشرف على صفحة الرأي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"