التنوع ضرورة حضارية

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

يصادف بعد غد، الأحد، احتفال الأمم المتحدة في 21 مايو/أيار من كل عام، باليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، وعنوان ذلك اليوم يحيل إلى عدة قيم متداخلة مع بعضها. هناك أولاً مفهوم التنوع الملتبس، مرة يحيل إلى التمايز والاختلاف، ومرة ثانية يدل على التعدد، وهو الأمر الذي ربما يفرض سؤالاً عما يعنيه على وجه الدقة. وهل يرتبط بالعرق أم اللغة أم التراث أم ثقافات مهددة بالانقراض؟ أم أنه اليوم الاحتفالي الذي يعبّر عن ضرورة التعايش بين ثقافات مهيمنة مركزية وأخرى هامشية طرفية؟ وفي هذه الحالة ينشأ سؤال آخر عن نوعية العلاقة بين تلك الثقافات، هل هي علاقة تصالح أم تصارع، تعاون أم تنافر؟ والأهم هل هذا الاحتفال أممي على مستوى ثقافات العالم بأكمله في نقاشها مع بعضها البعض، أم خاص بكل ثقافة قومية في حوارها الذاتي مع الثقافات المحلية الفرعية التي تتكون منها؟

في العالم العربي تتميز ثقافتنا بتنوع على الصعد كافة، تنوع بيئي وجغرافي، فضلاً عن تجاور لحظات زمنية مختلفة في الوقت نفسه، فنحن نعيش كلاسيكية ما في مجالات عدة، وحداثة ما أيضاً في مجالات أخرى، ونمزج بينهما كثيراً في السلوك والأفكار ورؤية العالم، وفي بعض مناطق العالم العربي يتحول التنوع إلى «موازييك» تتداخل فيه الطوائف والأقليات ولهجات لا نهاية لها. وهناك من يدعو إلى التمسك بقيم الذات، ومن يؤمن بأنه لا حل إلا بالانفتاح على الآخرين، وإذا ذهبنا إلى التاريخ، سندرك أنه من خلال الحروب والهجرات والسفر، مرت معظم شعوب العالم على منطقتنا، وتركت بعضاً من آثارها، أي أننا نعيش التنوع على المستوى الأفقي: الاجتماعي، وعلى المستوى الرأسي: التاريخي، وعلى المستوى الثقافي والحضاري.

وهذا التنوع في محيطنا العربي كثيراً ما عبر عن نفسه، من خلال معارك فكرية وصدام في وجهات النظر وفصام نكد بين الفرقاء. فهل يمكن أن يتوقف أولئك الفرقاء قليلاً لالتقاط الأنفاس، ويدركوا أنه لا بديل عن الحوار والنقاش الهادئ المثمر الجاد، لا حوار الطرشان، الحوار الذي يؤدي إلى الابتكار والإبداع، ومن ثم التنمية التي ترتكز على الاستثمار في أفضل ما يمتلكه كل طرف من الأطراف المشكّلة لتنوعنا العربي.

والأهم من ذلك هو قدرتنا على إبراز تنوعنا للعالم، وتغيير صور نمطية طالما ألصقت بنا، على اعتبار أن ثقافتنا كثيراً ما صُورت على أنها تفتقر إلى التنوع، ثقافة ذات اتجاه واحد، ومع انتشار الإرهاب في فترة ما، كانت صورة ثقافتنا في أسوأ حالاتها، ثقافة عابسة كارهة للحياة رافضة للآخر لا تعرف معنى الحوار أو التعايش. ولكن هل نمتلك القدرة على الانخراط في العالم؟ هل تتوفر لنا الأدوات التي تمكننا من ذلك؟ تبدأ تلك الأدوات من مشاركتنا بفعالية في قضايا الساعة الأساسية مثل: المناخ والهجرة... إلخ، بوصفنا جزءاً من العالم وشركاء في الإنسانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4zzdyz2v

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"