انتخابات غير عادية

00:43 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

خاضت تركيا انتخابات عامة وصفت بالتاريخية، ولم تنتهِ بعد، مع لجوء المتنافسَين على الرئاسة، طيب رجب أردوغان، والمرشح المدعوم من عدة أحزاب في المعارضة كمال كليشدار أوغلو، إلى جولة ثانية، بعدما عجز أي منهما عن الحسم. الاستفتاء الذي اشتد أواره، يجري بين نهجين لا يتقاطعان، ما يعني أنه في حال فوز أوغلو، فإن انقلاباً جذرياً سيحدث في السياسات الداخلية والخارجية.

 في الحالة التركية، التوجهات الحزبية متباينة، وتتطلع إلى تغيير السياسات القائمة من جذورها، فالجمهورية التي سارت على نهج المؤسس كمال أتاتورك، كانت متجهة إلى الغرب، باستثناء فترة تورغوت أوزال الذي حكم في تسعينات القرن الماضي، وكان منفتحاً على المنطقة، ثم حزب «العدالة والتنمية» الذي سار على طريق مختلف عن النهج الأتاتوركي، واتسمت سياسته بتأطير جديد لتركيا من وجهة نظره، تمثل في علاقة ندية مع الغرب، شابها شدّ وجذب. ولم يكن الغرب وحده من شهد علاقة مغايرة لما كانت عليه الجمهورية منذ تأسيسها؛ فالمنطقة العربية، والجوار الإقليمي كان له نهج مختلف أيضاً، ورغم أنه حاول في أكثر من مرة طبع سياسات بلاده بطابع مخالف للتيار السائد في المنطقة، وأبرز مثال على ذلك وقوفه في الطرف المقابل خلال ما يُسمى ب«الربيع العربي» ودخوله بقوة لا سيما في سوريا وليبيا، فإنه استعاد، أخيراً، علاقاته الجيدة في المنطقة وروسيا، بعد سنوات عجاف من التوترات، كما أن الحزب الحاكم لا يزال متمسكاً بالنهج الندّي مع أرمينيا، والتعاون الوثيق مع ما يطلق عليها منطقة الجمهوريات التركية، كأذربيجان، وفي النقطة الأخيرة بالذات فهو يتقاطع مع فكر أوغلو في المحافظة على الحلفاء التاريخيين.

  أما أوغلو، فهو يسعى لسياسة أكثر قومية من خلال «تمكين» الأتراك من بلادهم، وإعادة اللاجئين السوريين لديارهم، واللعب على وتر الاقتصاد والوظائف، الذي يرى أن حكومة أردوغان عملت على خلخلتهما، بسيساتها «غير المتبصرة»، كما رأى أن أعداء تركيا كثر؛ لذا فإنه يطمح إلى تصفير المشاكل، عبر النأي بالنفس عسكرياً، وتقديم بلاده وسيطاً في الأزمات، فأنقرة من وجهة نظره تجمعها علاقة وثيقة مع موسكو، لكنه لا يطمح إلى التحالف معها، وهذا يفسر دعم روسيا لأردوغان في الانتخابات، لأنه كان متنفساً لها في ظل حصار غربي مطبق عليها، في حين يعتزم أوغلو ترميم العلاقات مع أوروبا وأمريكا، وجذب الاستثمارات.

 كلا المرشحين يتحدث عن فوز مرتقب، كأن الأمور محسومة لمصلحته، لكن بالتأكيد الانتخابات لها ما بعدها، فإذا فاز أردوغان فسيعمل على تجذير نفوذ حزبه، وسيسير باتجاه طموحه بالصعود عالمياً، واللعب سياسياً مع الكبار، بينما فوز منافسه سيؤسس لتركيا علمانية، ويمحو ما كان في عهد سلفه، خصوصاً العودة إلى النظام البرلماني.

  تركيا ليست دولة عابرة، وأي هزة سياسية فإن العالم كله سيشعر بها؛ لذا فإن التنافس شرس، وعيون العالم مسلطة على الفائز الجديد، لأن ثمة من يدعم هذا، أو ذاك، بناء على مصالحه التي يأمل بتحقيقها عبر الرئيس الجديد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3f9ryhx3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"