ســياسات إشـكالية في الغــرب

أجهزة الاستخبارات رهينة الاستشراق والعنصرية
23:04 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
1
1
1

عن المؤلف

الصورة
2
أوليفر كيرنز
أوليفر كيرنز هو زميل باحث في جامعة بريستول بالمملكة المتحدة

أخفقت استخبارات الدول الغربية في تقاريرها ومخططاتها في العراق وليبيا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما دفع المراقبين إلى طرح العديد من الأسئلة حول من أساء قراءة المعلومات الاستخباراتية أو تلاعب بها، ولماذا لم يتم التعامل مع حقيقة أساسية مفادها أن الاستخبارات الغربية ليست مصممة بطريقة رصينة لفهم العالم.

يوضح أوليفر كيرنز كيف أن الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها أجهزة المخابرات البريطانية والأمريكية منذ 11 سبتمبر/أيلول تستند إلى وجهات نظر استشراقية للعالم وافتراضات عنصرية مزورة في سياق التراجع الاستعماري في حقبة الحرب الباردة. يعد فهم هذا السياق التاريخي أمراً حيوياً لشرح سبب عدم قدرة استخبارات هذه الدول على فهم الدوافع وسبب التضامن الدولي مع «الخصوم».

يقدم المؤلف في هذا الكتاب الصادر عن «دار بلوتو برس للنشر» في 20 إبريل/نيسان 2023 باللغة الإنجليزية ضمن 272 صفحة، طريقة جديدة لرؤية كيف تساهم الاستخبارات في تكريس عدم المساواة في العالم، معتمداً في ذلك على مجموعة من المواد التي تم رفع السرية عنها مؤخراً.

يقول المؤلف متسائلاً: «متى نعتقد أن المخابرات قد فشلت، وما الذي يتطلبه الأمر حتى تنجح؟» يلخص «فشل الاستخبارات» الفهم الشائع لما يفعله محللو المخابرات السرية وكيف ينبغي الحكم عليهم بمجرد أن تصبح كتاباتهم ومناقشاتهم مع السياسيين علنية. ولا يوجد فشل استخباري أكثر بروزاً اليوم من الادعاء الكاذب بأن صدام حسين كان يخفي أسلحة دمار شامل في العراق. الهدف من هذا الكتاب هو إثبات أن الأدوات الفكرية التي يستخدمها الممارسون لقياس أداء الاستخبارات الجيدة أو السيئة هي بالتأكيد منحازة، وقد شكلها التاريخ الإمبراطوري الأمريكي والبريطاني، وتمنعنا من فهم كيف تجعل الاستخبارات التفاوتات العالمية وعنف الدولة يظهر بشكل معقول وشرعي».

حدود الدقة 

بعد عشرين عاماً من غزو التحالف للعراق، لا يزال هذا الحدث يلقي بظلاله على كيفية المناقشات الجارية للمعلومات الاستخباراتية. يعلق المؤلف على ذلك قائلاً: «وأنا أكتب في خريف عام 2022، يكون قد مرّ أكثر من 200 يوم منذ أن أرسل فلاديمير بوتين القوات الروسية عبر الحدود إلى أوكرانيا على أسس اقتلاع النازية في سياسات البلاد، على الرغم من أن هدف الحكومة الروسية الآن يبدو متمحوراً حول ضم أجزاء كبيرة، لكن يبدو أن جزءاً صغيراً من قصة هذه الحرب المروعة هو اتهامات الفشل الاستخباراتي التي أطلقتها كل من روسيا والدول التي تدعم الحكومة الأوكرانية مراراً وتكراراً. عندما ظهرت الحرب أكثر فأكثر في أوائل عام 2022، حسبت أجهزة المخابرات الأمريكية، بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية، أن القوات الروسية ستطيح بالحكومة الأوكرانية في غضون أسبوعين. اعترف مدير وكالة استخبارات الدفاع لاحقاً أن ضباطهم أساءوا تقدير حالة الجيش الروسي وقللوا من قدرة أوكرانيا الدفاعية. من ناحية أخرى، زعم المسؤولون الاستخباراتيون أنفسهم أن بوتين نفسه تلقى معلومات خاطئة قبل الحرب من مرؤوسيه حول القدرات النسبية للقوات الروسية والأوكرانية، فضلاً عن قوة المقاومة من المجتمع الأوكراني».

ويقول: «شهدت روسيا (فشلاً في الإبلاغ الصاعد الصادق عن الاستخبارات). بعد شهرين، طرد بوتين أو ألقى القبض على أفراد من أجهزته السرية كانوا مسؤولين عن هذا التحليل الخاطئ. ومن جميع الجهات، إذن، تم تعريف الفشل الاستخباراتي بالطريقة الأكثر وضوحاً: عدم الدقة. لكن ليست هذه هي الطريقة التي يدخل بها العراق هذه القصة. لماذا، في النقاش العام حول روسيا وأوكرانيا، استمر اسم العراق في الظهور؟ على أحد المستويات، كان الأمر مجرد مسألة تذكر بين وقت وآخر «عندما ثبت أن تقييمات الاستخبارات الأمريكية خاطئة»، لتحذير وكالات الاستخبارات الأمريكية وغيرها من الدول من أن تصبح «مفرطة الثقة» في أحكامها والادعاءات المبالغ فيها، كما حدث في الفترة التي تسبق حرب العراق. لكن الفشل الماضي في العراق تم تأطيره أيضاً على أنه يتمتع بعواقب سياسية، وهو ما تعمل الحرب في أوكرانيا على تصحيحه الآن. كانت وكالات الاستخبارات تتابع القوات الروسية التي تحتشد على الحدود منذ شهور، إلى جانب الدعم الروسي للانفصاليين في دونباس. قبل أسابيع من إعطاء بوتين الأمر، بدأت إدارة الرئيس جو بايدن في إحاطة إعلامية بأنه يمكن شن غزو في أي لحظة، وأن روسيا أعدت قوائم اغتيالات للخصوم السياسيين. على حد تعبير أحد المعلقين في «لندن تلغراف»، كان الهجوم اللاحق «إثباتاً علنياً لقدرات المخابرات الغربية». أكثر من ذلك، كان «صداً لأولئك الذين ما زالوا عالقين في إخفاقات العراق». حقاً، بعد «الاستهزاء بالعراق»، «استردت المخابرات الغربية [...] نفسها». وافق المراقبون العسكريون الأمريكيون على أنه «تمت استعادة سمعة المخابرات الأمريكية والبريطانية بعد الفشل الذريع في العراق».

 المساهمة في حرب

يتساءل المؤلف: وما هي جائزة هذا الاسترداد وهذه السمعة؟، ويجيب: يمكن لأجهزة الاستخبارات هذه الآن المساهمة في حرب المعلومات العامة ضد روسيا. بعد أن تركت وراءها «استخدام - وإساءة استخدام - الاستخبارات لتبرير الغزو الأمريكي للعراق»، أصبحت وكالات مثل وكالة المخابرات المركزية الآن تستعيد ثقة الجمهور من خلال «استراتيجية جديدة لرفع السرية» نجحت في «تلوين الخطاب العام والنقاش» حول منطق حرب بوتين. بعد تعلم دروس العراق، وفقاً لمحلل وكالة المخابرات المركزية السابق جيف آشر، يمكن لمجتمع الاستخبارات الآن «توفير رسائل فعالة لدعم أهداف السياسة الخارجية الأمريكية». كما أتاحت تقييماتهم أيضاً مهلة لمساعدة الأوكرانيين وتجهيزهم وتدريبهم. تُظهر حظوظ الاستخبارات المتغيرة في أعقاب الغزو الروسي شيئاً مفهوماً جيداً من قبل ضباط المخابرات والخبراء - غالباً ما يكون تمييزاً ضعيفاً للغاية - ولكن نادراً ما يتم ذكره صراحة في النقاش العام، وهو أن فشل الاستخبارات، كما يُستخدم المصطلح اليوم، لا يتعلق فقط بعدم الدقة.

يتضح أن المعلومات الاستخباراتية الجيدة دقيقة ومفيدة لواضعي السياسات. يعلق المؤلف على ذلك بالقول: «قياس المنفعة ليس بالأمر السهل أيضاً، نظراً لأن رجال الدولة ومستشاريهم يختلفون فيما يشعرون أنهم بحاجة إليه لاتخاذ القرارات. تفشل الاستخبارات «ببساطة عندما تكون المدخلات الاستخباراتية في عملية صنع القرار غير كافية أو غير مرضية»، الأمر الذي يعتمد مرة أخرى على صانع القرار والموقف. فجأة يبدو الخط الفاصل بين الاستخبارات والسياسة ضبابياً: إذا كان لدى صانعي السياسة توقعات غير واقعية من محلليهم أو انتهى بهم الأمر إلى التقليل من أهمية التقارير المقدمة إليهم، فهل يقع اللوم على الفشل؟ لهذا السبب،«يجب على المتخصصين في الاستخبارات فهم احتياجات وتفضيلات أولئك الذين يقدمون لهم منتجات استخباراتية»، وهذا يشير إلى تعريف أكثر وضوحاً: نجاح الاستخبارات أو فشلها ليست له علاقة أساسية بالدقة أو عدم الدقة. قد يكون الرد هنا هو القول إن صانعي السياسة يحتاجون بوضوح إلى معلومات استخباراتية دقيقة لتوجيه دولهم خلال الشؤون الدولية دون الاصطدام بأحداث كارثية غير متوقعة. تحتاج الاستخبارات إلى الكشف عما يحدث بالفعل في العالم. لكن الطريقة التي تتلاءم بها المعلومات الاستخباراتية مع قصة الجهود الدولية ضد روسيا تجعل هذا الأمر أكثر تعقيداً مما يبدو للوهلة الأولى. في أواخر ديسمبر 2021، اعتقد مسؤولو المخابرات الأمريكية أن نشر القوات الروسية بشكل كبير كان مصمماً ل«التعتيم على النوايا وخلق حالة من عدم اليقين». في جميع أنحاء أوروبا، اعترضت وكالات الاستخبارات الفرنسية على أن الغزو غير مرجح لأن «غزو أوكرانيا ستكون له تكلفة باهظة [...] وكان لدى الروس خيارات أخرى».

الثقة الكافية

من أوكرانيا إلى العراق يعود المؤلف إلى عام 2003، وكيفية شعور ضباط المخابرات بالثقة الكافية تجاه تقاريرهم وقراراتهم في العراق، وعواقب هذه الأفكار على حرب التحالف في العراق، والدروس المتعلقة بكيفية الحكم على جهود الاستخبارات على بوتين والآخرين، والتي لم تُمنح بعد مكاناً في النقاش العام. بعد عقدين من الحرب على العراق، لا يزال هذا البلد يعاني وترك تأثيره في المشهد السياسي في الشرق الأوسط. يقول الكاتب:«داخل العراق، بلغ عدد الوفيات المباشرة الموثقة من أعمال العنف منذ بدء سقوط القذائف في مارس 2003 ما يقارب 288 ألف قتيل، مع بقاء مئات الوفيات بشكل سنوي بسبب الصراع المسلح والإرهاب والعنف الاجتماعي. بعد عشرين عاماً من غزو التحالف، يعاني العراق «نقص المياه النظيفة والكهرباء، وانتشار الفقر، ومستويات عالية من البطالة، والفساد الحكومي، والآفاق الكئيبة للشبان إلى حد كبير». أدت الخصخصة الجماعية والعقود المفترسة مع الشركات متعددة الجنسيات أثناء الاحتلال إلى «استنزاف موارد البلاد»، وحدوث «الإفلاس الاقتصادي» إلى حد كبير مع انسحاب قوات التحالف في عام 2011. يفتقر العراق بشكل غير مسبوق إلى التنمية والخدمات والموارد، ويعاني ندرة الغذاء والفقر والبطالة من خلال «الدعم السياسي الغربي للنخبة السياسية الفاسدة في العراق». مهدت الإطاحة بصدام الطريق لزيادة النفوذ الإيراني، بينما ساعد التمرد في العراق ثم الحرب السورية على إضفاء الشرعية على رؤية طائفية لصراعات القوى الإقليمية، ما أدى إلى عسكرة العديد من المجتمعات في هذه العملية. المخابرات لم تتسبب في كل هذا. ولكن إلى الحد الذي جعلت فيه المخابرات رؤية صدام كتهديد والهدف من عزله من منصبه، كانت أفكار المحللين حاسمة حول هوية صدام، وكيف كان شكل المجتمع العراقي، وكيف تعمل الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط».

يرى المؤلف أن المجمع العسكري الصناعي في الولايات المتحدة يقلل من التأثيرات السياسية للاستخبارات على مسرحيات السلطة البيروقراطية. ويقول: «إنه يجازف بإغفال الآثار السياسية للاستخبارات بما يتجاوز السيطرة النسبية لهذه الوكالات على أدوات سلطة الدولة. لسبب واحد، بغض النظر عن مدى سريتهم، فإن ضباط المخابرات هم أيضاً جزء من المجتمع، ما يعني أن نظرتهم للعالم ستكون كذلك. من ناحية أخرى، سينعكس هذا السياق الاجتماعي في كيفية تفكير هؤلاء الضباط والتحدث عن ماهية الدولة في الواقع. يساعد تحليل الاستخبارات في جعل الدولة، ليس كهيكل تنظيمي محايد ولكن كهوية سياسية مرتبطة بالناس والقوانين والسياسات. طرق التفكير التي تخلق مجتمعاً سياسياً تخلق أيضاً الدولة التي يمثلها هذا المجتمع. يجب أن نسأل: كيف يُرجح أن تكون الاستخبارات قد ساهمت في هوية الدولة وطرق التفكير هذه؟ بدلاً من السؤال عن من يملك سلطة على من، ضباط المخابرات أو السياسيون، لماذا لا نعاين نوع الأفكار الاجتماعية التي انعكست في تقييمات الاستخبارات، وكيف يمكن لهذه التقييمات أن تجعل سياسات معينة تبدو ممكنة لواضعي السياسات؟ هل يمكن أن يحدث هذا قبل أن يصبح الخداع أو خداع الذات بشأن أسلحة الدمار الشامل عاملاً؟ الطريقة الوحيدة لإثبات ما إذا كان ضباط المخابرات قد أخطأوا أو قام المسؤولون السياسيون بتحريف التقارير هو إذا اعترف الأشخاص المعنيون بذلك أو إذا تركوا وراءهم فيلماً وثائقياً، فإن أولئك الذين يريدون، على حد تعبير تشيلكوت، «إثبات ما حدث بأكبر قدر ممكن من الدقة» يشير إلى اثنين من الجناة المحتملين: إما أن ضباط المخابرات قاموا بتحليل سلوك الحكومة العراقية بشكل غير صحيح وأخطأوا في تقدير حيازة صدام لأسلحة الدمار الشامل؛ أو أن المسؤولين الحكوميين، بعد أن تلقوا المعلومات الاستخبارية الصحيحة، أساؤوا قراءة هذه الاستنتاجات أو حرفوها للجمهور لإثبات قضية الحرب. هذه الطريقة في فهم الخطأ الذي حدث تبدو وكأنها نقد قوي لسلطة الدولة لأنها تصر على أن الأجهزة الأمنية يمكن أن تكون توابع عديمة الجدوى، والسياسيون غالباً ما يكونون مخادعين، وهذا يؤكد أن «بلير كذب، فمات الآلاف».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/2s3rurdh

كتب مشابهة

1
مايكل كريبون
بوتين وشي جين بينغ
ريتشارد ساكوا
1
هاين دي هاس
1
جيريمي غارليك

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث
1
باسكال بيانشيني وندونجو سامبا سيلا وليو زيليج
1
ماكسيميليان هيس
1
شيلا سميث
1
لورا روبسون