الانتخابات التركية في إقليم يتغيّر

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السناوي

في حملة تجديد ولايته الرئاسية دعا رجب طيب أردوغان، أن يكون القرن الحالي قرناً «تركيّاً» في الشرق الأوسط. لم يكن ذلك شعاراً جديداً، فقد طرحه هو نفسه عند مطلع القرن وتردد صداه في جنبات الحياة السياسية والأكاديمية، قبل أن تتآكل رهاناته وحساباته.

  في السنوات الأولى من تجربة أردوغان، بدت إسطنبول مدينة عصرية منفتحة على عالمها، لا تتنكر لتاريخها وتتحدث عن المزاوجة بين إرث العلمانية والثقافة الإسلامية، ولديها آمال واسعة في بناء قوة اقتصادية وتحسين مستويات شعبها.

تزاوجت الأوضاع الداخلية الملائمة والأحوال الإقليمية المتغيرة في بناء قوة دفع لدور تركي جديد، غير أن الرهانات على «العثمانية الجديدة» سرعان ما تقوضت ودخلت تركيا في حزام من المشاكل والأزمات مع دول عربية عديدة ومؤثرة، كأنها انتقلت فجأة من شعار «صفر مشاكل» إلى أحوال «كل المشاكل».

 تقف تركيا الآن أمام المرآة، تراجع مواقفها وتنظر في مستقبلها. الانتخابات الرئاسية الجارية كاشفة لحقائق الموقف التركي في إقليم يتغير. التغيير حادث لا محالة، مع أردوغان أو بدونه. السؤال الحقيقي: بأي قدر.. وفي أي اتجاه؟

 قبل الانتخابات مباشرة تبدت استدارة استراتيجية تعمل على توفيق الأوضاع والمصالح وفق الحسابات المتغيرة، بتخفيف التوتر مع مصر إلى أقصى حد ممكن، ومدّ خيوط التعاون الاقتصادي مع دول الخليج بقدر ما هو متاح. بتوقيت متزامن جرت استدارة استراتيجية موازية من اللاعب الإيراني مالت إلى التهدئة وفتح صفحة جديدة مع مصر والخليج.

 أهم ما يُنسب للمصالحة السعودية الإيرانية، أنها فكت الارتباط بين التفاهمات التي حدثت بالفعل في جولات تفاوض، جرت في مسقط وبغداد وبين المشروع النووي الإيراني ومباحثاته المعطلة في فيينا. كان لافتاً دخول مصر على خط التهدئة والمصالحة مع إيران بعد أكثر من أربعة عقود من القطيعة الدبلوماسية، وأن تلعب مسقط وبغداد الدور نفسه في سيناريو المصالحة المصرية - الإيرانية المتوقعة قريباً.

  قد تأخذ تركيا بعد الانتخابات الرئاسية مباشرة خطوات أكثر راديكالية في معادلات الإقليم، خفض التوترات مع مصر بأزمتي ليبيا وغاز المتوسط، انفتاح أكبر على سوريا،  يساعد على إنهاء الأزمة، أو تخفيف وطأتها على الأقل.

 قد تختلف المقاربات بين أردوغان ومنافسه كمال كليشدار أوغلو، لكن الخيوط العريضة متقاربة بقوة الحقائق والمصالح التركية.

 الأول، يركز على ما يطلق عليه ضرورات الأمن القومي في النظر إلى الأزمة الكردية.. والثاني، سوف يعمل لتحقيق الأهداف نفسها دون خشونة مفرطة.

 هناك أزمة كردية في بنية الدولة أعمق من أن يتم القفز فوقها. هذه حقيقة عكست نفسها في الانتخابات.

 في حال ربح أردوغان، كما تميل أرجح التوقعات، فإنه سوف يعمل على تأكيد تحالف الضرورة في الأزمة السورية الذي يجمع تركيا مع روسيا وإيران.

 كليشدار أوغلو، قد يحدث بعض التغيير دون تعديل جوهري على المعادلة السابقة، فالمصالح التركية تحكم في النهاية.

 كانت العودة السورية إلى الجامعة العربية خطوة جوهرية في فك الحصار الدبلوماسي العربي، لكنها غير كافية إذا لم تتوافر مقومات دورعربي مؤثر في الحسابين التركي والإيراني.

 الإعمار قضية ضرورية، انسحاب كامل القوات الأجنبية من الأراضي السورية مسألة سيادة، مصالحة سوريا مع نفسها بحل سياسي مدخل لا يمكن تجاهله.

 بعد مضي قرن كامل على تأسيس الجمهورية التركية وإنهاء الخلافة العثمانية، تطرح الأسئلة  نفسها مجدداً على مستقبل البلد. تصعب أي عودة إلى خيار «العثمانية الجديدة»، فقد كان الثمن باهظاً، كما يصعب أي عودة أخرى إلى علمانية «أتاتورك» التي تنكر على البلد إرثه الإسلامي.

 هناك شروخ في الهوية أعمق مما هو بادٍ على السطح. وهناك أزمة اقتصادية تلقي بظلالها الكثيفة على المستقبل، تراجع الليرة وارتفاع نسب التضخم وغلاء الأسعار من أبرز ملامحها.

 أمام انقسام مجتمعي وشروخ في الهوية؛ فإن المستقبل التركي يبدو ملتبساً وغامضاً، يدعو للتغيير دون أن يكون مؤكداً أنه قادر على تلبية مقوماته.

 نحن أمام تجربة ديمقراطية، تساعد باليقين في إضفاء قدر من الاحترام على أية أدوار تركية محتملة في المعادلات الإقليمية والدولية.

عند مفترق الطرق التي تنتظر تركيا، يدرك العالم الغربي مدى أهميتها الاستراتيجية كعضو في حلف «الناتو» وثاني قوة عسكرية فيه، لكنه لا يستريح إلى توجهات أردوغان والطريقة التي يدير بها سياساته الخارجية، كاقترابه من موسكو واعتراضه على انضمام السويد إلى «الناتو» لاحتضانها جماعات كردية يصنفها بالإرهابية.

الصحافة الغربية تهاجمه بعنف، وتدعو الأتراك إلى إسقاطه في الانتخابات. وقد وظف أردوغان ذلك لصالحه. روسيا بالمقابل لا تتمنى خسارة حليفها المجرب موقعه الرئاسي. الصين كالعادة ترقب وتنتظر كيف تجني الأرباح في نهاية اللعبة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ur25xwd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"