المفاسد الثلاث

00:46 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

كعادة ما تثمر عنه القمم والاجتماعات العربية، بمستويات التمثيل المختلفة فيها ومناسباتها، جاء البيان الختامي للقمة العربية التي استضافتها جدة، مزيجاً من بنود ثابتة مكرورة، وأخرى تبدو منتبهة لما يجري في المنطقة منذ سنوات.

 تكرار بعض البنود لا يعني عيباً في الصياغة، ولا فقراً إلى ما يمكن تسويد صفحات البيان به، ولكن لأن هذه البنود متعلقة بقضايا عربية مزمنة تفرض حضورها بين فترة وأخرى بحكم تطورات متعلقة بها. وليس أدل على ذلك من القضية الفلسطينية الموصوفة دوماً بالمركزية في الأدبيات العربية، لجهة ارتباطها التاريخي بمعظم التفاعلات السياسية في المنطقة وعلاقات دولها بالقوى الكبرى في العالم. 

   ليس جديداً أيضاً الاتفاق على أهمية تعزيز العمل العربي المشترك القائم على الأسس والقيم والمصالح المشتركة والمصير الواحد، وضرورة توحيد الكلمة والتكاتف والتعاون في صون الأمن والاستقرار، وحماية سيادة الدول وتماسك مؤسساتها، والمحافظة على منجزاتها، والاستفادة من المقومات البشرية والطبيعية التي تنعم بها المنطقة.

 بعيداً عن المكرر، والبديهي من البنود، يمكن الوقوف عند نقاط أبرز في البيان الختامي لقمة جدة تبدو شديدة الصلة بما شهدته المنطقة العربية منذ 2011 ولا تزال تداعياته مؤثرة في أكثر من بلد عربي.

   ثلاثية “تشديد ورفض وتأكيد” تجاورت في البيان بصياغات مكثفة لخصت حالة عدم الاستقرار التي تعصف بالمنطقة لأكثر من عشرين عاماً، ووضعت بعض أجزائها في مهب الريح، والتهمت ثروات البعض الآخر.

  أما التشديد، فكان على وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، وهو العتبة الأولى لما جرى في المنطقة بدعوى التغيير وإشاعة الديمقراطية. وهذه العتبة هي التي قادت إلى ما رفضه البيان، وهو دعم بعض القوى الإقليمية والعالمية تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة بزعم الإصلاح وإعادة البناء. 

  وكان من نتيجة ذلك صراعات عسكرية داخلية أكد البيان أنها لن تؤدي إلى انتصار طرف على آخر، وإنما تفاقم معاناة الشعوب وتدمر منجزاتها، وتحول دون تحقيق تطلعات مواطنيها.

  هذا الترابط العضوي بين المفاسد الثلاث: التدخلات، ودعم الميليشيات، والصراعات الداخلية، هو الآفة الكبرى التي ضربت استقرار المنطقة وصنعت الفتن لأكثر من عقدين وتكبدت دولها باهظ التكاليف لتدارك آثارها.

  انتباه البيان إلى ذلك كان طبيعياً، ومحموداً، خاصة أن القمة ارتبطت، تاريخياً، بعودة سوريا رسمياً إلى الحاضنة العربية، وهي دولة أنموذج لما تفعله المفاسد الثلاث في أية دولة، وليس بعيداً عنها العراق وليبيا وغيرهما. 

  والأهم أن يدوم الانتباه، أولاً، داخل كل بلد عربي، وثانياً، على المستوى الجماعي، ويُترجَم إلى استراتيجية عمل عربية تتصدى لأي تدخل خارجي، سواء كان سافراً أو مستتراً في سعي بعض الجماعات والقوى إلى اختطاف أوطان والعودة بها قروناً إلى الوراء وتضييع ما أنجزته الشعوب العربية، وبدلاً من أن تبني عليه آمالها للتقدم، تخسر حاضرها ومستقبلها وتبقى أسيرة الفوضى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8p5de4

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"