عادي
مالتشيفسكي رائد الرمزية البولندية

روح الأمومة تجسد الوطن في لوحة

00:30 صباحا
قراءة 4 دقائق
9
اللوحة

الشارقة: عثمان حسن

البولندي جاسك مالتشيفسكي (1854-1929) يُعد رائد الرمزية الفنية في بولندا في مطلع القرن العشرين، وهو يُعد واحداً من أكثر الرسامين احتراماً في بلده، شارك مع حركة الشباب الوطنية في بولندا بعد قرن من التقسيم، جمع إنتاجه الإبداعي بين الأسلوب السائد في عصره والزخارف التاريخية التي تجسد التضحية البولندية، والمثل الرومانسية للاستقلال، بما في ذلك الأساطير المسيحية واليونانية، والحكايات الشعبية، فضلاً عن حبه لعالم الطبيعة.

ولد جاسك مالتشيفسكي في رادوم- بولندا، حين كانت خاضعة لاحتلال الإمبراطورية الروسية، وخلال طفولته وشبابه تأثر بشكل كبير بوالده الذي كان ناشطاً اجتماعياً.

انتقل جاسك مالتشيفسكي إلى كراكوف في سن 17، وبدأ تعليمه الفني في عام 1872 تحت إشراف الرسام البولندي ليون بيكار، وحضر دروسه الأولى في ورشة عمل بمدرسة الفنون الجميلة. في 1873 تم تقييمه من قبل الرسام الشهير جان ماتيكو، وبعد ذلك التحق رسمياً بالمدرسة، وفي 1876 ذهب إلى باريس، ودرس لمدة عام في مدرسة الفنون الجميلة، في استوديو هنري ليمان، وانتقل بعد ذلك إلى أكاديمية سويسرا.

كان قد بدأ بالفعل دروسه مع يان ماتيجو في عام 1875 قبل الشروع في رحلته إلى فرنسا. على الرغم من الاختلافات الأسلوبية الكبيرة بينهما فقد تأثر جاسيك بشكل كبير بلوحات ماتيكو التاريخية المليئة بالاستعارات الرومانسية والموضوعات الوطنية. في عام 1879، أكمل دورة في التكوين تحت إشراف ماتيكو. وقد أعجب بنفس القدر برسومات البولندي أرتور جروتجر.

تدور رسوماته حول عدد قليل من الزخارف المختارة بعناية، ويتم إعادة سردها باستمرار في رسوماته، واستثمارها باستلهام الأساطير والرموز الوطنية، وقد مكنه خياله من توجيه إبداعه والسماح للأفكار الجمالية الجديدة بالظهور، وهذا جعله واحداً من رواد الرمزية في بولندا.

على مدار نحو 30 عاماً بين عامي 1885 و1916 زار مالتشيفسكي باريس، وميونيخ، وفيينا بانتظام. قام بعدة رحلات إلى إيطاليا، واليونان، وتركيا. كما شارك في رحلة استكشافية أثرية نظمها صديقه كارول لانكورنسكي. لقد استمد إلهامه من مجموعة متنوعة من المصادر التي غالباً ما تكون غريبة، وقام بترجمتها مرة أخرى إلى الفولكلور البولندي، والتقاليد، والزخارف في لوحاته الخاصة. تتميز العديد من لوحاته بشكل بارز بصور ذاتية في زي متقن، وهي علامة مميزة لأسلوبه، وغالباً ما تُظهر إحساساً كبيراً بالفكاهة التي تسخر من الذات.

بين 1897و1921 عمل جاسيك أستاذاً في أكاديمية الفنون الجميلة في كراكوف، وقد تم انتخابه رئيساً للأكاديمية البولندية في عام 1912. وقد تمت مقارنة فنه بفن الفرنسي غوستاف مورو، والسويسري أرنولد بوكلين، وحتى الإسباني سلفادور دالي. حازت لوحاته على العديد من الجوائز في المعارض الدولية بما في ذلك برلين عام 1891، وميونيخ عام 1892، وباريس عام 1900.

من اللوحات الشهيرة لجاسيك واحدة بعنوان (الوطن الأم) يجسد فيها عاطفة الأمومة رمزاً يعادل حب الوطن.

لغز

في أعمال مالتسيفسكي تُعد كل لوحة لغزاً للمشاهدين، الذين يمكنهم البحث عن معانٍ خفية وراء هذه اللوحات، وتخمين الاستعارات، وتفسير المحتوى، ولا تختلف هذه اللوحة عن تلك المعاني؛ ففي لوحة «الوطن» أو «الوطن الأم» يصور جاسك أماً وولديها، ووجوه الشخصيات الثلاث في المشهد تبدو شاحبة وحزينة؛ الأم تحمل عصا في يدها اليمنى، والتي ربما تكون رمزاً للترحال خشية الاعتقال أو الأسر، والرسام في اللوحة يبني عالماً من الأساطير والرموز التي استوعبها عن ظهر قلب، فهو غالباً من كان يقول لطلابه في الأكاديمية «ارسم حتى يتم تحرير بولندا». ويضيف: «إذا لم أكن بولندياً فلن أكون فناناً».

(القانون، والوطن، والفن) ثلاثية مثلت معتقداً وطنياً لجاسك مالتشيفسكي، جسّدها من خلال امرأة تفخر بوطنها، تظهر برفقة ولديها، حيث يقف الثلاثة أمام خلفية تتشكل من أكثر المناظر الطبيعية سحراً في البيئة البولندية، وهو حقل فيه حبوب وأزهار الذرة المزهرة. الوطن امرأة في حالة من التجوال، والتجوال يقاربه الفنان بحالة (الحجيج) في الطقس الديني المسيحي، وتظهر وهي تتكئ على العصا التي ستساعدها على السير، وفي هذا إشارة واضحة لبولندا خلال فترة التقسيم؛ أي خلال الفترة التي كان فيها المواطنون ضحايا، بعيدين عن وطنهم، ومعرضين للعذاب والتشرد، نرى شعر السيدة في اللوحة مربوطاً في ذيله بزهرة حادة، يمكن أن تؤذيها، وفي هذا رمز إلى سوء الحظ والمعاناة، تغطي المرأة كتفيها بعباءة أرجوانية، وفي هذا أيضاً، ثمة إشارة طقسية إلى شدة العذاب.

دلالات

توقف عدد كبير من النقاد عند هذه اللوحة، والتفتوا بشكل خاص إلى قاموس الرموز الذي يحرص جاسيك أن يشبع لوحاته بها، فهنا، ثمة رسائل خفية واستعارات كثيرة، مع كل الحقائق التي يمكن تصورها عن الحياة لرجل حساس يبدع في أوقات غاية في الصعوبة، ومن أجل صناعة مشهد تصويري بترميزات وطنية واضحة تغوص في أعماق خفايا روح الفنان.

وعندما رسم جاسك هذه اللوحة، كانت بولندا تحت التقسيم، وهكذا أصبح النضال من أجل الاستقلال، من أهم المجالات التي كشف فيها هذا الفنان عن عبقريته في الرسم، والموت في حد ذاته لم يُخِفْهُ؛ نظراً لأنه أصبح موضوعاً للعديد من لوحاته؛ فقد تمكّن من ترويض هذا الموت لدرجة أنه قبل وفاته ببضع سنوات رسم لوحة ثلاثية بعنوان «جنازتي».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yykj4xsr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"