باخموت وانهيار «الدومينو»

00:27 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

سقوط مدينة باخموت أو “القلعة الحصينة” كما يسميها الأوكرانيون في يد القوات الروسية أحدث نقطة تحوّل في مسار الحرب التي مضى عليها نحو 15 شهراً منذ أواخر فبراير (شباط) من العام الماضي، بقدر ما وجه صفعة للقيادة الأوكرانية التي راهنت على صمودها لتغيير مسار الحرب في اتجاه معاكس ونقطة انطلاق للهجوم الأوكراني المضاد.

  في معركة فاصلة، تُعد الأطول والأعنف في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بحسب الخبراء، نجحت القوات الروسية في إحكام سيطرتها على المدينة الاستراتيجية، رغم التلعثم الأوكراني المعبّر عن رفض قبول الهزيمة، ومحاولات الغرب التقليل من أهميتها الاستراتيجية. والأسوأ أن سقوط “قلعة المعنويات” كما يسميها الأوكرانيون أيضاً جاء أثناء انعقاد قمة مجموعة السبع في هيروشيما اليابانية، وبينما كان زيلينسكي يحشد المزيد من الدعم الغربي لهجومه المضاد ويلّح على تسليمه مقاتلات “إف 16” الأمريكية -وقد حصل عليها، من حيث المبدأ- لكن الكلمات لم تسعفه في رثاء المدينة سوى القول “لم يتبقَّ منها شيء .. إنها باقية في قلوبنا فقط” قبل أن يتراجع استجابة لنصائح مستشاريه ويتحدث عن بقاء قواته في باخموت.   

  زيلينسكي نفسه كان قد أعلن قبل أشهر في ظل احتدام معركة باخموت أن سقوط المدينة يعني أنه سيقدم تنازلات لبوتين على طاولات المفاوضات؛ لأن ذلك يعني تحولاً استراتيجياً في مسار الحرب، وهو ما لن يسمح به. الآن تغيرت المعطيات وتبدلت المواقف، فزيلينسكي صار يعتقد أن سقوط باخموت يجعل من الهجوم المضاد أمراً حتمياً لاستعادة كل المناطق التي خسرها لصالح القوات الروسية. لكن في المقابل، يرى كثير من الخبراء والمحللين أن سقوط “القلعة الحصينة” يمثل بداية انهيار قطع الدومينو، ويفتح الطريق أمام القوات الروسية للسيطرة على مدينتي سلوفيانسك وكراماتورسك، وهما من أكبر مدن إقليم دونباس، ويقربها من السيطرة على جنوب شرق أوكرانيا بأكمله. 

   لسنا بصدد وضع خرائط عسكرية، فهي لأصحاب الاختصاص، ولكن من الناحية العملية والسياسية، لا شك أن سقوط باخموت يمنح القوات الروسية دفعة معنوية كبيرة لمتابعة تقدمها، ويزيد من حالة الإحباط والشك في صفوف القوات الأوكرانية، رغم الدعم العسكري الهائل الذي تحظى به من جانب الغرب؛ إذ على الأرض باتت القوات الروسية تحظى بمزية أفضل في المبادرة والحركة من نظيرتها الأوكرانية، دون أن ننسى حقيقة أن القوات الروسية الاحترافية لم تزج في أتون المعارك الأوكرانية، وفق الخبراء، بقدر ما كانت توفر الدعم والإسناد والحماية لعناصر الشركات الأمنية والمتطوعين، الذين أسندت إليهم هذه المهمة؛ لأن القوات المهنية والاحترافية لديها مهام أكبر كثيراً في حال اتساع نطاق الحرب، أو اتجاه الأوضاع للصدام المباشر مع حلف “الناتو”. ولعل الأهم هو أن الغرب المحبط بدوره من تداعيات هذه الحرب بات يشكك في جدوى الهجوم المضاد، وحتى في إمكانية التوصل لتسوية سياسية بشروطه ووفق مصالحه بعد أن حال في السابق دون إجراء مفاوضات غير مضمونة أو قد تلبي للروس بعض احتياجاتهم الأمنية .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycy3ssp9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"