السودان.. إنها المؤامرة نفسها

00:36 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. علي محمد فخرو
متى سيدرك العرب، بمن فيهم مؤسسات القمة العربية والجامعة العربية والتعاون الإسلامي، أن الفاجعة الجديدة في القطر السوداني ليست إلا خرزة في مسبحة سايس – بيكو القديمة، ومسبحة مدرسة الصهيوني برنارد لويس الحديثة؟ وهي مسبحة تشويه ثم محو مكوّني العروبة والإسلام كتمهيد للاستمرار في عملية تقسيم الوطن العربي كله، إلى دويلات وجماعات متناثرة ضعيفة متخلفة وخارج العصر.

الهدف: الهوية والوحدة، وقد جاء دور السودان الذي تتهيأ فيه الظروف شيئاً فشيئاً، والذي تقول بعض الدوائر الأمريكية إنها ستعمل على تحققيه بصورة تدريجية خلال الخمس عشرة سنة المقبلة.

تفاصيل سبل وطرائق تحقيق ذلك فصّلها برنارد لويس، منذ سنوات، في برنامج استراتيجي ناقشه الكونغرس الأمريكي في جلسة سرية، ووافق على أن يكون أساساً وموجهاً لدوائر الحكم الأمريكية في تعاملها مع الأقطار العربية المفصلية. وقبل ذلك، وضعها في الخمسينات من القرن الماضي، بن غوريون، كجزء من السياسة الخارجية لإسرائيل.

وما على الإنسان إلا أن يراجع ما فعلته أمريكا، تحت غطاء كل أنواع الكذب والإفساد والخيانة، في العراق وسوريا وليبيا، كأمثلة، من تدمير مادي واستباحة للثروات، واستنفار لشتى الخيانات، وإثارة لكل النعرات التي وضعها وطالب بإثارتها واستعمالها برنارد لويس، ليدرك حجم المآسي التي تنتظر شعب السودان، وعلى الأخص قوى الثورة والوطنية فيه.

إذن، فالموضوع السوداني يحب ألا ينظر إليه من زواياه الداخلية فقط، وإنما أيضاً من زواياه القومية والإسلامية والاقتصادية العولمية الرأسمالية الطامعة في ثروات السودان الهائلة، والجنون الديني اليميني الإسرائيلي بشأن السيطرة الجيواستراتيجية الكاملة على البحر الأحمر ومداخله.. وما لم ينظر إليه كجزء من عواصف استعمارية زادت قواها وقدراتها التدميرية في العشرين سنة الماضية، ويراد لها أن تستمر في الهبوب والتدمير قبل أن يحل الأفول الأمريكي المنتظر، فإننا لن نرى زوال السودان العربي المملوء بالإمكانات الهائلة فقط، والذي عرفناه، وإنما زوال الكثير من الأقطار العربية الأخرى في المشرق والمغرب، على حدّ سواء.

إذن، فما الذي يمكن فعله؟ هذا موضوع كبير ومتشعب، وسيحتاج إلى حراكات مجتمعية عربية كبرى، ولكن هناك نقاط تحتاج إلى أن تطرح للنقاش في الحاضر من أجل منع مجيء المزيد من الكوارث.

أولاً: نكرر، مع غيرنا، للمرة الألف، ضرورة أن يتخذ قادة مؤسسة القمة العربية قراراً حاسماً بشأن إحداث تغييرات كبرى في تكوين وأهداف ووسائل عمل الجامعة العربية، لتلعب دوراً محورياً في مساعدة كل قطر عربي يواجه عواصف الخارج والداخل. فالعرب يحتاجون الآن، وبشكل وجودي، إلى مؤسسة وحدوية تضامنية في الاقتصاد والأمن والعلاقات مع الخارج، وهذا ما لم يسمح البعض للجامعة بأن تقوم به.

ومن الممكن استعمال الخطوات الجريئة التي بدأتها الشقيقة المملكة العربية السعودية كمدخل للموضوع برمّته.

ثانياً: سيحتاج السودان، مع شقيقته مصرن للتفكير جدّياً في إعادة بحث فكرة وحدة وادي النيل القديمة. هذا موضوع مفصلي وجودي لمواجهة المؤامرات التي يتعرض لها البلدان بالنسبة للأمن المائي من جهة، وبالنسبة إلى ما تخطط له إسرائيل منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، من جهة أخرى، وبالنسبة إلى ما تريده أمريكا من تهميش تام لمصر العروبة وقدراتها القيادية.

ثالثاً: آن الأوان أن تتغلب كل قوى المجتمع المدني السودانية، السياسية والنقابية والمهنية والنسائية والدينية، على خلافاتها وتقول كلمة «لا» رجوع إلى نظام الحكم العسكري الذي أهلك السودان عبر ستين سنة، وأن الانتقال في الحال إلى نظام ديمقراطي دستوري عادل لا يمكن المساومة عليه. ومن أجل ذلك أصبح الالتفاف من قبل الجميع حول الجيش الوطني ليقضي على الفتنة أمراً ملحّاً.

هذه اللحظة تحتاج على الأقل، إلى العمل على تحقق تلك الخطوات، وإلا فإنها الكارثة للسودان، ومن ثم البقية، ولن يسلم أحد، ولن تقوم قائمة للنائمين، أو المتفرجين.

يا شباب وشابات السودان الرائع، بجمال شعبه الطيب الرقيق.. انتبهوا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2uzay8d3

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"