القمم العربية ومستقبل الجامعة

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

شهدت المنطقة العربية خلال الآونة الأخيرة، دينامية على مستوى التحرّك الدبلوماسي، بعدما تم عقد اتفاق مصالحة بين السعودية وإيران، بإشراف صيني، وتهيئة الظروف الداعمة لعودة سوريا إلى الجامعة، ما عكس الرغبة في توفير مناخ إيجابي كفيل بعقد القمة العربية في جدّة، وبإعطاء دفعة قوية للعمل المشترك الذي تأثر بشكل سلبي، على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة.

 ومع ذلك، فقد انعقدت القمة في ظرفية لا تخلو من تحديات إقليمية، متصلة بالتصعيد العسكري الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية، رغم التهدئة التي تمّ الاتفاق بشأنها برعاية مصرية، وكذا دخول السودان في متاهات من الصراع العنيف على السلطة، ما تسبب بسقوط عدد كبير من الضحايا، ونزوح أكثر من مليون شخص عن ديارهم، وفرار ربع مليون منهم نحو البلدان المجاورة، رغم اتفاقيات إطلاق النار المبرمة في هذا الخصوص، بين  ممثلي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

  أما على المستوى الدولي، فقد انعقدت القمة في ظل استمرار تداعيات الحرب الأوكرانية المتزايدة على المستويات، الاقتصادية والاستراتيجية، وتباين المواقف العربية إزاءها، إضافة إلى تحرك عدد من القوى الدولية الكبرى كالصين، في سياق السعي لإرساء نظام دولي بتوازنات جديدة.

  واختتمت أشغال قمة جدة، بإصدار إعلان يتضمن مجموعة من الأولويات التي تعكس قدراً من الوعي بحجم المخاطر والإشكالات التي تحيط بالعمل العربي المشترك، فقد تم التأكيد على محورية القضية الفلسطينية ضمن انشغالات الجامعة، مع إدانة الانتهاكات والاستفزازات التي تقوم بها سلطات الاحتلال داخل الأراضي الفلسطينية، والدعوة إلى تكثيف المبادرات والجهود الرامية إلى تسوية عادلة وشاملة للقضية.

 كما تم الإعراب عن القلق البليغ إزاء ما يشهده السودان من تطورات لا تخلو من انعكاسات سلبية على استقرار هذا البلد العربي وأمنه، وعلى محيطه الإقليمي، مع الإشارة إلى الأهمية التهدئة، واعتماد أسلوب الحوار والتوافق في سبيل إنهاء هذا الصراع، بعيداً عن كل التدخلات الخارجية.

  وتم الترحيب أيضاً بقرار الجامعة القاضي باستئناف مشاركة وفود سوريا في اجتماعات مجلس الجامعة، ومختلف المنظمات والأجهزة التابعة لها، مع التأكيد على دعم استقرار ووحدة هذا البلد العربي.

  كما تم التأكيد أيضاً على دعم المبادرات والجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والأمن في اليمن.

   ومع انعقاد كل قمة عربية، يتجدّد طرح السؤال نفسه، حول ما إذا كانت الجامعة العربية بضوابطها القانونية، وطبيعة العلاقات التي تربط بين أعضائها، قادرة على تحويل مخرجات قممها إلى قرارات فعلية، وعلى تحقيق عدد من الأولويات تشغل شعوب المنطقة، في علاقة ذلك ببناء نظام إقليمي قوي، وتعزيز العلاقات بين الدول الأعضاء في عدد من المجالات الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية، وفي إرساء الاستقرار والأمن، وتحقيق التنمية لأعضائها بعيداً عن لغة الشعارات.

  لقد مر ّعلى تأسيس الجامعة أكثر من سبعة عقود، وعلى عكس عدد من التجارب الناجحة، في أوربا وأمريكا وآسيا، التي حققت الكثير من المكتسبات في شتى المجالات، لم تستطع هذه الهيئة أن تحوّل المقومات البشرية والطبيعية والاقتصادية التي تحتضنها المنطقة؛ إلى قوة حقيقية كفيلة ببناء تنظيم إقليمي قوي، قادر على رفع التحديات الداخلية والخارجية.

 لا يمكن تحميل الجامعة مسؤولية الوضع العربي الراهن، فهي نتاج لعلاقات يطبعها عدم الاستقرار والقطيعة أحياناً، وضعف التنسيق، ومحدودية التعاون الاقتصادي والتجاري والعسكري بين أعضائها، وغياب رؤية منسجمة وموحدة، تجسد التعاون والتنسيق.

  إن الوضع الراهن الذي تعيشه الجامعة، يعكس في جزء كبير منه عدم استيعاب الدول الأعضاء للتبدلات التي شهدها العالم، ولحجم الهدر الذي يلحقها بفعل الواضع الراهن، ولخطورة التحديات والتهديدات التي تفرض نهج التكتل، وتجاوز منطق القطرية الضيقة.

 ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن المراهنة على الجامعة العربية، وعلى قممها في الوقت الراهن، يظل نسبياً، ما لم تتحمل الدول الأعضاء نفسها، مسؤولياتها التاريخية باتجاه طيّ الخلافات، وتبني قرارات جريئة تدعم إصلاح الجامعة وتطوير العمل العربي المشترك في إطار حسن نية واستحضار المصالح المشتركة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/46n9pvzu

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"