فوضى الترجمة

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

في طبعة جديدة صادرة من كتاب «الأيديولوجيا العربية المعاصرة» للمفكر المغربي عبدالله العروي، يصف المؤلف إحدى فقرات الترجمة القديمة لكتابه، الصادرة في ثمانينيات القرن الماضي، قائلاً: «هذه ألغاز لا أجد سبيلاً إلى حلها، مع أني كتبت الأصل»، ثم يعلن العروي عن عثوره على 145 خطأ في تلك الترجمة المتداولة، وهذا ما دفعه للإشراف على ترجمة جديدة لكتابه.

«الأيديولوجيا العربية المعاصرة»، كتاب تأسيسي في الفكر العربي المعاصر، صدر بالفرنسية في سبعينيات القرن الماضي، ويندر ألا يجد المتابع للكتابات الفكرية العربية على مدار خمسة عقود متتالية أعقبت الترجمة الأولى للكتاب، على محلل لا يستشهد بهذا الكتاب.

اللافت في مقدمة العروي الجديدة، أنه يشكك في فهم المثقفين العرب للفكر الغربي المعاصر، نتيجة لهذه الترجمات، ويشكك أيضاً في الترجمات العربية منذ عهد المأمون حتى الآن.

ونماذج التشكيك في الترجمة عديدة، فهناك ترجمة ظلت متداولة لسنوات لكتاب إدوارد سعيد الأشهر، «الاستشراق»، ونظراً لركاكتها وتعقيدها، أقبل شيخ المترجمين الراحل محمد عناني على إعادة ترجمة الكتاب لتكون في متداول القراء.

والأمر لا يقتصر على ذلك، بل إن تاريخ الترجمة المعاصر، يشهد على الاستسهال في النقل عن الآخرين، ففي بدايات القرن العشرين، كان هناك من يترجم الكتب وهو لا يجيد اللغة التي يترجم عنها، وفي كتاب «عصور نهضة أخرى» لبريندا دين شيلدغن، فصل عن الأدب العربي، تحكي فيه أن أديباً مثل المنفلوطي، ترجم عدة روايات عن الفرنسية رغم أنه لم يكن يجيد أي لغة أجنبية، وهناك سلاسل أدبية وفلسفية انتشرت خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي في القاهرة وبيروت، ترصد الأدب والفكر العالميين اتسمت بتبسيط مخلٍّ، وأحياناً بركاكة واضحة، حتى شكك بعضهم في أننا قرأنا أو فهمنا فلسفات مثل الوجودية، والظاهرة لا تزال مستمرة.

نحن نراوح بين ترجمات لا تُفهم أو ترجمات ركيكة أو ترجمات لا تمت للنصوص الأصلية بصلة، وبإمكان القارئ عندما يتجول في أي مكتبة أن يلاحظ أكثر من ترجمة للكتاب الواحد.

لم تعد القضية تتمثل في ضآلة ما نترجم من حيث الحجم، كما كشفت عدة تقارير للتنمية الثقافية العربية، ولكن الأزمة تتمثل في نوعية وجودة ما نترجمه، وهي أزمة مركبة في حالة ترجمة المثقفين العرب الذين يكتبون بلغات أخرى، فهؤلاء من المفترض أنهم في متناول المترجم العربي، يستطيع التواصل معهم بسهولة لإنجاز ترجمة عالية الجودة، هنا نسأل عن أسماء مثل: محمد أركون وسمير أمين وفوزي منصور، هل ترجماتهم جيدة وصادقة، أم أنها تحتاج بدورها إلى مراجعات؟

كل ترجمة هي في الأساس استيعاب للأفكار وفهم للسياقات التي أنتجت هذه الأفكار، لمحاولة دمج كل هذا الأفق في مسار الثقافة المنقول إليها، تلك هي قيمة الترجمة وأهميتها، ولكن لن يحدث ذلك مع ترجمات ركيكة ومشكوك فيها، من هنا أهمية وضروة إعادة النظر في مشروع الترجمة إلى العربية، أما الترجمة عن العربية فتلك قضية أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4392up9k

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"