الشباب العربي واللجوء الفكري

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تذكر المثل: «الحاضنة أحنّ من الأمّ»؟ هو مثل الذي عند الإيرانيين: «القِدر أسخن من الحساء». قناة بي.بي.سي بالعربية تجود ببثّ برنامج تفرّخ فيه للعالم العربي خبراء الرأي، تحضنهم وهم في البيض إلى أن يفقسوا، فمنهم حمامٌ ومنهم صقور، ومنهم يمامٌ ومنهم نسور، ولكنهم للغريب جُسور.

لا يشين القناة أن إحدى الفضائيات سبقتها وكانت أغزر إنتاجاً، غير أن الأخيرة آثرت ألاّ تنتج غير الكواسر، مع فضل سبْق اختراع ألقاب لا يحتاج فيها الإعلامي إلى تأهيل أو موهبة، ولا الخبير الاستراتيجي إلى تدرّج أكاديميّ. سرعة التخريج تشبه المصانع في لصق الملصقات على طوابير القوارير. في كل طرفة عين شاهد عيان، ناشط إعلامي، ناشط سياسي... يكفي ظهورٌ واحد لنيل رتبة خبير استراتيجي. أيامَ كان شهود العيان ينبتون كالفطر، حاور القلم في هذا العمود أبا العلاء، كشاهد عيان في أحداث معرّة النعمان. عجيب هذا المعرّي، يقول: «وبصير الأقوام مثليَ أعمى.. فهلمّوا في حندسٍ نتصادمْ».

إلى أين تقودنا يا عمّنا الجاحظ باستطراداتك؟ هيئة الإذاعة البريطانية كانت، أيّامَ كانت لها أيّام، لا يُصدّق العرب أخبار العرب، فقد كانت لديهم كحذامِ، وكانت جهيزة التي تقطع قول كل خطيب. كان العالم العربي في كهوف إعلامية في مجال حرية التعبير قبل أكثر من نصف قرن. كانت بي.بي.سي تغدق عليه الوعي السمعي بما يجري في بلاد العرب وغيرها، وكان الإغداق بمثابة الإغراق.

العقل العربي يعشق السمع: «والأذن تعشق قبل العين أحيانَا». العين تعني الرأي، فمصيبة أن يكون السمع بلا فكر. لكن المحطة كانت تنتقي الكفاءات العالية صوتاً وفصاحةً، مع الحبكة الفائقة في التحرير الإعلامي وسعة الاطلاع في المعلومات. من الصعب العثور على مواطن خلل شكلية. أمّا المضمون وأبعاده وخباياه وألغازه، فعندما تنطلي الأغراض على الملايين الذين لا يميّزون، فليذهب الفهّام إلى الشيطان.

السؤال: ما هي المعايير التي تنتقي بها القناة البريطانية اليوم الشابات والشبان العرب؟ هل القضايا الحساسة ريش في مهبّ الريح، مثل: ما هو لونك المفضل؟ «ليه يا بنفسج» أم «أركب الحنطور واتحنطر»؟ الأمر مختلف مع ألغام الأسئلة الناسفة: «هل ترى أن على المجتمع الدولي أن يتدخل لحماية حقوق ق ق ق (قوم قوس قزح)؟ فضائية «فرنسا 24» لا تقصّر يوماً في خوض هذه القضايا، بأفراد من بلدان عربية عدّة، حتى يقال إنها قضايا عربية، وأن العرب في بلادهم خُرْس. الأمل في النظام العالمي الجديد، فما يسمّى المجتمع الدولي لن يستطيع العربدة كما يهوى.

لزوم ما يلزم: النتيجة الإنقاذية: على الإعلام العربي أن يحتضن آراء الشباب العربي حتى لا تهاجر الآراء طلباً للجوء الفكري.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ryk4rmk

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"