عادي

عزفٌ أحمر!

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين
1

(عزفٌ أحمر، ونزفٌ أزرق، وقلبٌ أبيض، وعقلٌ أسود، ووجهٌ أصفر، وضوءٌ أخضر)، مصفوفة ألوان، لمجموعة إنسان، نجح بالألحان، ورسب بالامتحان، فعزف لوناً أحمر سال من قلبه، ونزف لحناً أزرق سقط من روحه، وأحبَّ كصفاء طفلٍ ناصع البياض، وفكّر ظلاماً ثملاً حالك السواد، فمرض خَمراً سرطاناً أصفر، ثم مات مستقبلاً طويلاً وأخضر! ولكي تستطيع أن تفك رموز هذا اللغز الغريب، عليك أن تنظر جيداً إلى هذه القصة من قريب. كان الملحن الفنلندي جون سيبيليوس الأبرز احتراماً وتقديراً، والأقوى حضوراً وتأثيراً، والأكثر ازدهاراً وتطويراً، والأسرع تحولاً وتغييراً، والأصعب تماشياً وتسييراً، والأدق وصفاً وتصويراً، والأغرب نشاطاً وتفكيراً، والأعمق لفظاً وتعبيراً، والأفضل انطلاقاً وتحريراً، والأقل حرصاً وتحذيراً، والأطول هجاءً وتحقيراً، والأشد تقاعساً وتقصيراً، والأسوأ رصانةً وتدبيراً، والأقسى هجوماً وتدميراً، والأدهى مكراً وتكسيراً، فقد كان سيبيليوس فعلاً ملحناً عظيماً وقديراً، ومفكراً رفيعاً وكبيراً، وعازفاً ملهماً وجديراً، ومؤلفاً رهيباً وخطيراً، وصديقاً معيناً ونصيراً، وناصحاً لبيباً وبصيراً، وحالماً فائضاً ووفيراً، ولكنه في الوقت ذاته كان مدمناً شرساً وكبيراً، وسِكّيراً فادحاً وخبيراً! وزوجاً خائباً وكسيراً، يثمل ضميراً، فيموت كثيراً. ولعل لهذا كتب فيه الكثيرون تقريراً، وإن لم يجدوا لتصرفاته سبباً أو تبريراً، كما لم يحددوا أثناء سرد قصته مصيراً، وكأن سيرته الذاتية عالم غامض ومستدير، مغلق ومظلم وليس له تفسير.

بعيداً عن تكاثف غيوم هذه الحسابات، الشبيهة بحمى المناسبات بلا مناسبة، تبقى الحقيقة الوحيدة المناسبة، بلا دليل ومن دون وجه إثبات، إنه حقاً واجه العديد من التحديات والصعوبات، وعانى أندر أشكال الاضطرابات، حيث عاشر فؤاده أخطر أنواع الإصابات، بعد وفاة ابنته الصغيرة ليتوه بعدها في العذابات، باحثاً عن ماهية الأسئلة ذاتها قبل الإجابات، في منزلٍ فنلندي منعزلٍ وسط الغابات، إلى أن بات رجلاً رثاً وبالياً بلا رغبات، مكسور القلب كئيباً وعديم الثبات، يجيد الموت حياً ويهوى طول السبات! ولكن الجدير بالذكر أن الجمهور ككل أعجب بأعماله من أول سيمفونية، بل وصنفوه في أعلى قائمة الاختلاف وذروة العبقرية، ثم تأكَّدوا من تصنيفهم له بعد ملحمة «كالفَالا»، ليقرّوا بأن مؤلفاته صنعت الاستحالة، وفسّرت جميع معاني الأصالة، ونقلت العصر الموسيقي من حالة إلى حالة، ولهذا ما زلنا نسمع مقطوعاته تنساب من قطرات أعيننا احمراراً، في حين تتكاثر كريات دمائنا في أرواحنا ازرقاقاً!

1
جان سيبيليوس

الاسم: جان سيبيليوس

التاريخ:

1865 – 1957

الجنسية:فنلندي

النشاط:موسيقي

من أعماله:Kullervo, Op. 7

1
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3aj54yv5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"