حرب ستطول

التصريحات الآتية من ساسة وعسكريين كبار في موسكو، وبالمقابل من نظراء لهم في العواصم الغربية، وفي مقدمتها واشنطن، التي أصبحت، أو أوشكت أن تصبح، طرفاً مباشراً في الحرب الدائرة في أوكرانيا، تؤكد أن هذه الحرب ستطول، وتطول كثيراً. من ذلك تصريح لنائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، ديمتري ميدفيديف، جرى تداوله قبل أيام حول أن الحرب قد تستمر عقوداً، حتى لو تخللتها هدن أو تسويات مؤقتة، تستمر بعض الوقت لتعود الحرب ثانية ما لم يتغير النظام القائم في كييف، وسياسة الغرب الداعمة له، وملمحاً إلى أن هذه الحرب قد تفضي إلى انتهاء أوكرانيا كدولة، وتقسيمها بين روسيا ودول غربية مجاورة لها، وهو سيناريو جرى الحديث عنه سابقاً، خاصة بالنظر لوجود أطماع بولندية بالذات في ضمّ الغرب الأوكراني.
قد يندرج تصريح ميدفيديف في إطار الحرب النفسية والإعلامية بين طرفي الحرب، لكنه، أيضاً، لا ينطق من فراغ، فهو نائب بوتين وحليفه المقرب، الذي دأب على توظيف منصته على «تليغرام» لإرسال ما يريد الكرملين إيصاله من رسائل للدوائر الغربية خاصة، بما في ذلك التحذير المتكرر للغرب بعدم تجاوز الخطوط الحمراء في مسار الحرب الدائرة، لأن موسكو لن تقف، ساعتها، مكتوفة الأيدي.
ليس ميدفيديف وسواه من مسؤولين روس من يرسل رسائل متشائمة حول أمد الحرب الطويل. في الغرب أيضاً يرسلون رسائل تحمل المعنى نفسه، حتى وإن اختلفت النبرة والسياق والمفردات. رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي، الجنرال مارك ميلي، قال مؤخراً «إن روسيا لن تحقق نصراً عسكرياً في أوكرانيا، لكنه من غير المرجح أيضاً أن يتم دحر كلّ القوات الروسية في أي وقت قريب»، مشيراً إلى أن وجود مئات آلاف الجنود الروس في أوكرانيا، يجعل مسعى كييف لاستعادة السيطرة على كامل أراضيها، مستبعداً في المدى القريب، ما يعني أن القتال سيتواصل، وسيكون دموياً وصعباً. وفي مرحلة ما، لم يحدد مداها الزمني المتوقع، سيتفاوض الطرفان على تسوية أو يتوصلان إلى نتيجة عسكرية.
وفي المجمل، فإن الغرب قدّم، حتى الآن فقط، نحو 65 مليار دولار من المساعدات العسكرية على ما أعلن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، وهذا يصعّب على موسكو مهمتها بالتأكيد، ويؤدي إلى إطالة أمد الحرب، من دون أن يؤدي، حتى الآن أيضاً، إلى إحداث اختراق أوكراني يعتدّ به، على الرغم من أن مستشاراً للرئيس الأوكراني زيلينسكي، قال: إن الهجوم الأوكراني المضاد الذي طال انتظاره ضد القوات الروسية قد بدأ فعلاً.
[email protected]