ديمقراطية في إجازة

00:49 صباحا
قراءة دقيقتين

بين «الفضيحة» و«العنصرية» و«خطوة جديدة في نهج استهداف المسلمين»، تراوحت توصيفات ما نشر عن طلب وزارة الداخلية الفرنسية من بعض الإدارات التعليمية موافاتها بعدد الطلاب المسلمين الذين تغيبوا يوم عيد الفطر الماضي. وهذه التوصيفات لم تأتِ فقط من أبناء الجالية المسلمة في فرنسا، أو بالأصح من الفرنسيين المسلمين، إنما تداولها معهم آخرون من غير المسلمين باسم نقابات التعليم هناك، وجماعات مناهضة للعنصرية.

والأمر لم يتوقف عند الحدود أو المؤسسات الفرنسية؛ إذ جاء أحدث تعليق عليه من الأزهر الشريف، ممثلاً في مرصده، واعتبر ما حدث نوعاً من العنصرية. ربما يميل كثيرون في العالم العربي إلى عدم ربط تصرفات بعينها تجاه المسلمين في الغرب بالمؤامرة على دينهم أو الاستهداف القائم على المعتقد أو المنطلق مما يعرف باسم «الإسلاموفوبيا»، غير أن الأمر حين تعلق بفرنسا تحديداً غذّى المخاوف وصعّب الفصل بين طلب وزارة الداخلية إحصاء الطلاب المتغيبين في عيد الفطر والتنافس السياسي على حساب حقوق المسلمين.

وهذه المخاوف التي تتعاظم بين المسلمين في فرنسا، لا تقوم فقط على أساس عقدي، إنما تتمسك أيضاً بحقوق مواطنة يرون أن وزارة الداخلية أهدرتها بهذا الطلب، وأنه ربما يكون بداية مرحلة من التصعيد ضدهم في إطار مزايدات بين الأقطاب اليمينية لا يستضعف إلا مسلمي البلاد ولا يجرؤ إلا على الانتقاص من حقوقهم. ويستغرب كثيرون إهدار مؤسسات فرنسية حقوقاً أصلية لمواطنين فرنسيين من المسلمين في مقابل إصرارهم على الاحتماء بالقوانين المنظمة للتعايش، بينما يهاجمون بضراوة ويتهمون بالخروج على القوانين إذا ارتكب أحدهم فعلاً فردياً مخالفاً.

من هنا، يرى ممثلون للمسلمين في فرنسا أن ديمقراطيتها وأدبياتها الرائجة حول الحرية محل تساؤل بعد طلب وزارة الداخلية من مدارس في تولوز تزويدها بسجل تغيب التلاميذ في يوم عطلة عيد الفطر المصادف ليوم الجمعة 21 إبريل/نيسان الماضي. وبعد الضجة التي أثارها هذا الطلب، بررته وزارة الداخلية بأنها تدرس بانتظام تأثير بعض الأعياد الدينية على أداء الخدمات العامة، ولا سيما داخل المجال المدرسي.

هذا التبرير لم يقنع المسلمين في فرنسا، ليس فقط لأنه لم يكن الأول في سلسلة ممارسات يرون أنها تستهدفهم، ولا لأنه ينفصل عن مبادئ العلمانية، بل أيضاً لأنه بلا سند، فالقانون الفرنسي يحظر أي إحصاء قائم على أساس طائفي. وفوق ذلك، يقول المسلمون في فرنسا، إن تغيب أبنائهم عن المدارس في عيدي الفطر والأضحى، بل وانقطاع الموظفين المسلمين عن العمل في المناسبتين، ممارسة مستقرة لا تحتاج إذناً، بل يكفي فيها الإشعار. من هنا، يرون أن ما أقدمت عليه وزارة الداخلية أمر خطِر لا يمكن تبريره أو تمريره؛ بل ربما يكون مقدمة لما هو أخطر من ممارسات تجور على حقوقهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2wrv9cpe

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"