لعنة الموت المجاني

00:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

كأنما هي لعنة تلاحق الشعوب العربية من مكان إلى آخر، فمن الأزمات والصراعات المسلحة التي شهدتها، الدول العربية التي اجتاحتها نيران ما سمي ب«الربيع العربي» عام 2011، وما تركته هذه النيران من موت ودمار كبير طال مقدرات هذه الدول، وملايين اللاجئين الذين قذفت بهم الحروب إلى خارج أوطانهم، ها هو السودان يدخل نفق الحرب التي اكتوت بنارها الكثير من الدول العربية، حيث تعصف المعارك العبثية بحياة الشعب السوداني وتدمر مقدراته، وتقذف بأبنائه إلى ساحات اللجوء والمهانة من جديد، لتضيف المزيد من المعاناة على كاهل هذا الشعب الذي كان وما زال يعاني الحروب السابقة التي عاشها السودان، والعقوبات المفروضة عليه منذ عقود.
 فمنذ اندلاع المعارك بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع في منتصف إبريل/نيسان الماضي، لقي المئات حتفهم من أبناء الشعب السوداني، وجرح الكثيرون، فيما اندفع عشرات الآلاف من السودانيين خارج حدود بلادهم بحثاً عن أمان، في مشهد يعيد إلى الأذهان، ما شهده العديد من الدول العربية التي طالتها الأزمات والصراعات المسلحة المجنونة.
 وبحسب حصيلة أعلنتها نقابة أطباء السودان، فقد وصل عدد القتلى المدنيين إلى 850 شخصاً، وإصابة أكثر من 3300 شخص منذ بدء الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع.
 ووفقاً لتقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وصل عدد اللاجئين الذين فروا من السودان إلى الدول المجاورة إلى أكثر من 100،000 لاجئ، بما في ذلك اللاجئين السودانيين والعائدين إلى ديارهم في جنوب السودان على نحو سابق لأوانه، وغيرهم ممن كانوا هم أنفسهم من اللاجئين في السودان.
 واندفع عشرات آلاف من اللاجئين السودانيين عبر الحدود من دارفور إلى تشاد المجاورة، مع تمدد المعارك التي تتركز في العاصمة الخرطوم إلى مناطق أخرى؛ حيث تقدر الأمم المتحدة عدد السودانيين الهاربين إلى تشاد منذ بداية الحرب بنحو 60,000 أكثر من 90 في المئة منهم أطفال ونساء.
 وبحسب التوقعات التي أصدرتها المفوضية، من بين العدد الإجمالي سيمثل حوالي 600 ألف من اللاجئين السودانيين، إضافة إلى اللاجئين الذين تستضيفهم السودان بحثاً عن الأمان. كما قد يعود أكثر من 200,000 لاجئ من مواطني جنوب السودان وغيرهم من اللاجئين الذين يستضيفهم السودان إلى ديارهم قبل الأوان. وأشارت المفوضية إلى أن جميع الفارين من الحرب في السودان «يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، مثل الطعام والمياه والسكن». وقالت المفوضية إن الاستجابة الإنسانية للأعداد المتزايدة من الفارين بحاجة إلى تمويل يبلغ 445 مليون دولار، وأشارت إلى أنها تضع خططاً لتدفق 860 ألف لاجئ، ستغطي الدعم الفوري للاجئين في تشاد وجنوب السودان ومصر وإثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى حتى أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
 وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن هناك عشرات آلاف من اللاجئين بحاجة ماسة إلى الطعام والماء والمواد الأساسية الأخرى، لا سيما مع استغلال بعض ضعاف النفوس للأوضاع الحالية، والفراغ القائم لنهب المنازل والمؤسسات الرسمية في البلاد. ناهيك عن الضغط الذي يمكن أن يشكله اللاجئون على الدول المضيفة وهي دول تعاني الأزمات الاقتصادية أيضاً.
 وتبدو المأساة واضحة أكثر إذا علمنا أن السودان نفسه كان يستضيف أكثر من مئة وثلاثة وثلاثين ألف لاجئ وطالب لجوء إريتري وإثيوبي هربوا من دولهم بسبب الصراع، ناهيك عن وجود 2.5 مليون نازح في السودان، وفقاً للمنظمة، معظمهم في ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، التي كانت أيضاً بؤراً للصراع على مدى السنوات ال 17 الماضية.
 ويقول رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في جنيف، راميش راجا سنجام، إن هناك أكثر من «25 مليون شخص، أي أكثر من نصف عدد السكان في السودان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية والحماية».
 والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا هو، إلى متى ستبقى شعوبنا العربية تدور في حلقات مفرغة، وتدفع من دم أبنائها ثمن تلك الصراعات المجنونة، التي تحركها في معظم الأحيان مطامع أنانية لقوى داخلية أو خارجية؟
 قد يقول البعض إن ما يجري في بلادنا هو مؤامرات خارجية، وربما كان في ذلك شيء من الصحة، لكن أحداً لا يستطيع إنكار أن تدمير بلادنا العربية، يجري مع الأسف بأيدي أبنائها، وكأننا في حالات انتحار جماعي، لا يعرف أحد إلى أين سيقودنا وكيف سينتهي هذا الموت المجاني.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/m8wkdvb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"