مستقبل إيقاعات الشعر

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

ما رأيك في قصّة قديمة جديدة؟ أهميّتها تكمن في أن محورها هو اليوم أوجب طرحاً من أيّ وقت مضى، ولأسباب عدّة. الموضوع يتعلق بالإيقاع الشعري. لا تكن عجولاً فتقول: هل سنظلّ نضيّع الوقت في مستفعلن فاعلاتن، بينما عقول المستقبل يدوّخها إيلون ماسك بحصوله على الضوء الأخضر، من السلطات الأمريكية، في شأن زرع شرائح في الدماغ البشري، ليغدو الإنسان يتعامل ذهنيّاً مباشرة، مع الحواسيب والذكاء الاصطناعي. التجربة نجحت على القردة. يا ساتر، فهذه المرّة قد نصبح نحن النياندرتال، والقرد هو «هوموسابيانس» المستقبل. داروينيّة في الاتجاه المعاكس.
حسناً، لماذا العودة الآن إلى قضية أوزان الشعر؟ من دون دعابة، حتى لا يتوهّم الشعراء أننا نهزل في مقام الجدّ، المسيرة التي قطعها الشعر العربي على صعيد الإيقاع، تشبه تماماً الرجوع بمستوى المدنيّة اليوم إلى العصر الحجري، أو من الإنسان العاقل إلى بداية أشباه الإنسان، قبل الإنسان الماهر والإنسان المنتصب. قبل الإسلام كان للعرب ستة عشر وزناً، وأكذب المفترين هم المدّعون أن البحور اخترعت في العصر العبّاسي.
 لو اجتمع عشرة مليارات شاعر وبلسان واحد، ما استطاعوا اختراع ستة عشر وزناً تلقائيّاً دفعة واحدة في زمن محدود، ومحال أن يأتوا بأشكال وألوان من الإبداع في كل وزن منها. قد يستطيع الذكاء الاصطناعي ذلك مستقبلاً، إذا تمادى الشعراء في نومهم عن التجديد الإبداعي. في القرون الستة الأولى من العصر الإسلامي، أضاف الشعراء إلى أوزان الخليل أشكالاً أخرى، منها المسمّطات والملمّعات والموشحات وغيرها.
 مع ظهور ما يسمّى شعر التفعيلة، كنصوص السيّاب ونازك الملائكة ومن تلاهما، تقلّصت الإيقاعات، أمست ستة فقط، وهي ذوات التفعيلة الواحدة، أي الرجز، الكامل، الرمل، المتقارب، الخبب والهزج. ثم ببركة قصيدة النثر التي تكاد تُنافس أسماؤها مرادفات الأسد والسيف وابنة العنقود، ضرب إيقاع الشعر رأسه في الصخر الصلب الصلد الأصمّ. 
تخيّل أن يظهر في الموسيقى قوم، على طريقة «زورو»، قائلين: الإيقاعات «دقّة قديمة»، من اليوم لا إيقاع ولا ضبط إيقاع! هل نقول مثل فوكوياما: إنها نهاية تاريخ الإيقاع الشعري؟ بحور الخليل ليست دستوراً أبديّاً، لكن تفضّل بالبديل، جدّد. لا تعجبوا، قد يلتقي الذين تبقّوا من عشّاق الشعر ذات أمسية، يصدح فيها عشرون روبوتاً بأوزان لم يعرفها الأعشى ولا أدونيس. أمّا دجل «الإيقاع الداخلي»، وهو بالمناسبة اصطلاح نقديّ أوروبي ردّده الكثيرون كذلك الطائر الآخر، لا البلبل، فهو تضليل بن فرية، لأن الإيقاع الداخلي الصادق يكون كالقلب داخل الجسم، أو لا يكون. الإيقاع تعريفه: تقسيم الزمن إلى وحدات. إيقاع القلب تستطيع تدوينه بالنوتة الموسيقية. الإيقاع رياضيات لا تحتمل التلاعب بالكلمات.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكريّة: نزاهة الاعتراف بانسداد درب الشعر الحداثوي، في الإيقاع تحديداً، تستوجب إيقاظ الذكاء الإبداعي للبحث عن دروب إنقاذية بديلة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfbk979

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"