عادي
ظاهرة تتعدد أشكالها.. والتربية أبرز أسبابها

التنمر..عدوانية من الطلاب يدفع ثمنها الآباء

01:57 صباحا
قراءة 6 دقائق

تحقيق: محمد إبراهيم

التنمر ظاهرة تعانيها المجتمعات في مختلف البلدان، إذ يتعدد أشكالها وتمتد آثارها على المدى البعيد، وعلى الرغم من تعدد الظواهر التي تؤرق الميدان، فإن التنمر بنوعيه «المباشر والإلكتروني» يظل الأخطر في الوقت الراهن في مجتمع التعليم.

ويرى خبراء أن التنمر بات أمراً خطيراً في السنوات الأخيرة، ولا تكفيه لائحة سلوك واحدة، لاسيما أن عدوانية الأبناء يدفع ثمنها الآباء، فضلاً عن أن أعداد المتنمَّر عليهم في زيادة دائمة، مما أثر سلباً في دافعية بعض الطلبة الذين يفضلون الجلوس في البيت عن الذهاب للمدرسة.

تربويون أكدوا أن المعالجات والحلول التي تجتهد إدارات المدارس في توفيرها لتعديل سلوكيات الطلبة، يفسدها بعض الأسر بالدلال المبالغ فيه، وعدم اتباع أصول التربية الصحيحة، مما يسهم في تفاقم الظاهرة، وصعوبة احتوائها في الميدان.

يرى عدد من المعلمين أن التنمر ظاهرة تتكرر مظاهرها يومياً في المدارس، فضلاً عن التدهور المشهود في سلوكيات بعض المتعلمين وارتفاع سقف العدوانية «مباشرة» أو «إلكترونياً»، مؤكدين أن لائحة السلوك لم تعد قادرة على معالجة سلوكيات الطلبة العدوانية، سواء مع زملائهم أو معلميهم.

متخصصون في علم النفس والتربية الأسرية، رصدوا 10 أسباب لسلوك المتنمِّر، ومعظمها مسؤوليات تقع على عاتق الأسرة، أبرزها الدلال الزائد، وخلافات الوالدين، والتفكك الأسري، وغياب ثقافة «العيب»، مؤكدين ضرورة إعادة النظر في التعامل مع الظاهرة وفق طرق حديثة تتماشى مع تطور أشكال الظاهرة في السنوات القليلة الماضية.

«الخليج» ترصد وتناقش مع المجتمع، المخرجات السلوكية للطلبة، وإلى أي مدى تمكنت الجهات المعنية وفئات المجتمع من التصدي لتلك الظاهرة سواء من الطلبة أو المعلمين.

من الميدان

في الأمس القريب، كلفت مشاجرة بين طالبين في إحدى المدارس، ولي أمر 20 ألف درهم، بعدما اعتدى نجله على زميله بالضرب وأصابه في أنفه، وفي واقعة أخرى تنمر طالب في الصف الثامن منذ أيام على نائب مدير مدرسته، وتجاوز معه حدود الأدب والاحترام ليعتدي عليه بالسب والضرب، إذ منعه الأخير من تدخين السيجارة الإلكترونية داخل الحرم المدرسي.

وفي واقعة ثالثة تنمر عدد من الطلبة في إحدى المدارس الخاصة على زميلهم في الحافلة المدرسية وهم في طريق العودة للمنزل، إذ أحدثوا فيه إصابات في أماكن مختلفة في جسده، وعجز المشرف عن إيقافهم.

انتشار المتنمرين

في وقفة مع عدد من الطلبة المتنمَّر عليهم، أفاد كل من (معتز.و، عمرو.م، حمدان.أ) أن هناك أعداداً كبيرة من زملائهم المتنمرين في المدرسة، إذ يعتدون بالسب والقذف والضرب على جميع الطلبة من دون أي أسباب، ودائماً ما يحاولون عرقلة العملية التعليمية، ولديهم مشكلات يومياً في المدرسة مع الطلبة والمعلمين، وعلى الرغم من تقديم شكاوى كثيرة، فإن الاعتداءات مازالت مستمرة.

فريق آخر من الطلبة ضم كلاً من (سهام.م، حمدي.م، علي.أ، منى.ع) أكدوا تعرضهم للتنمر الإلكتروني من زملائهم في المدرسة، إذ يتخذ هذا اللون من التنمر أشكالاً عدة، من بينها السب والإيذاء البدني والزجر والتهديد والابتزاز والتلاعب، وقد يكون التنمر أحياناً عبر المضايقات الإلكترونية، إذ أصبح شائعاً، ومع انتشار الأجهزة والهواتف المحمولة، موضحين أن شكواهم تكررت أكثر من مرة لإدارة المدرسة ولكن مازالت المضايقات مستمرة.

«الخليج» حاولت التقرب من عدد من الطلبة المتنمِّرين للوقوف على أسباب سلوكياتهم، ولماذا كل هذه العدوانية لزملائهم داخل الحرم المدرسي؟ وما هي الفائدة من تلك التصرفات، إلا أنهم رفضوا الحديث وفروا وكأنهم يهربون من العقاب على جرائم يعلمون مدى أضرارها على الآخرين.

مشكلة حقيقية

عدد من أولياء الأمور «مهرة.ع، سماح.ح، عبدالله.م، صديق.خ» أكدوا أن أولياء الأمور في معاناة كبيرة بسبب سلوكيات أبنائهم، وسواء كان ولي الأمر لطالب متنمِّر أو متنمَّر عليه، فكلاهما في مأزق، وفي مشكلة حقيقية، مؤكدين ضرورة ضبط سلوكيات الأبناء من المنزل، وتطبيق أصول التربية الصحيحة، والابتعاد عن الدلال وغرس حسن الخلق والتعامل مع الآخرين في نفوس الأبناء.

وأكدوا أهمية دور المدرسة في توفير فرق متخصصة لمعالجة سلوك المتنمِّر والطالب المتنمَّر عليه، بمشاركة الوالدين، وتأهيلهم على طرق التعاطي مع سلوكيات أبنائهم في ظل تلك الظاهرة، وكيفية تقويمهم بشكل الصحيح.

الأمر يتطور

وفي وقفة مع عدد من التربويين والمعلمين (إبراهيم.ق، وريبال.ع، وسامح.خ) أكدوا أن التنمر في بعض المدارس لم يقتصر على اعتداء الطالب على زميله لفظياً أو جسدياً، ولكن تطور الأمر ليصل إلى الاعتداء على معلمه، وفي بعض الأحيان على مدير مدرسته، ومع تمكين التكنولوجيا أصبح التنمر «الإلكتروني» أحد أبرز التحديات التي تعانيها المدارس ومختلف الفئات في الميدان التربوي.

وأفادوا بأن لائحة السلوك لم تعد قادرة على مجابهة سلوكيات الطلبة العدائية، وينبغي البحث عن طرق جديدة لمواجهة تفاقم تلك الظاهرة التي تتسع دائرتها يوماً تلو الآخر لتخرج من نطاق الطلبة وتصل إلى المعلمين والكوادر الأخرى في المدرسة، مؤكدين أن جميع المعالجات والحلول التي تجتهد في إيجادها المدارس، يفسدها بعض الأسر لعدم تجاوبهم وتواضع تعاونهم مع المدرسة.

مواقف عدوانية

في حديثنا مع المستشارة الأسرية أميمة محمود، أفادت بأن التنمر بمفهومه القديم يجسد مجموعة من المواقف العدوانية في صور متعددة، منها الإيذاء «الجسدي، واللفظي، والاجتماعي، والعرقي»، ولأن الاعتداء كان يتم بشكل مباشر ومرئي للجميع، كانت مهمة التصدي له أمراً سهلاً، وعلاجه يتسم بالبساطة، سواء مع الجاني أو الضحية، ولكن مع وجود الشبكة العنكبوتية التي دمجت العالم الواقعي بالافتراضي، وتطورات التكنولوجيا المتوالية، أصبحت الظاهرة أكثر تعقيداً، وبات التنمر الأخطر في المعنى والمضمون، لاسيما على الأطفال الذين ليس لديهم الوعي الكافي للتعاطي مع عدوانية التنمر، ولا سبل التصدي لتلك الظاهرة.

وأكدت أن ثلث طلبة العالم، يعانون بسبب التنمر وآثاره التي جعلت صحتهم ورفاههم العاطفي وعملهم الأكاديمي وكفاءتهم التعليمية، في خطر حقيقي، ومع الأسف لم تهدد تلك الظاهرة العالمية أطفالنا فحسب، بل مدارسنا أيضاً بحاجة إلى حماية من جميع أشكال العنف.

من المنزل

وأفادت بأن «التنمر الإلكتروني» الذي يتعرض له الأطفال والمراهقون عبر الأجهزة الإلكترونية، يعد أكثر خطورة مما يواجهونه من مضايقات مباشرة في البيئة المدرسية، حيث يشعر الطفل أو المراهق بالقلق عندما تصله رسائل تهديد عبر البريد الإلكتروني من مجهول، ويبدأ بالشك في جميع المحيطين به، فيدخل في حالة من الخوف من التعامل معهم، وقد يتطور الأمر إلى العدائية والنفور. كما أن التصدي للمتنمر يكون أصعب كثيراً، فهناك حاجة إلى الكشف عن هويته أولاً، لكي يبدأ في التصدي له على النحو الصحيح. ويكفل التنمر الإلكتروني لمرتكبيه حرية في التصرف وملاذاً للإفلات من العقوبة، مما يجعلهم أكثر جرأة على ارتكاب الحماقات ضد الآخرين.

وترى أن علاج تلك الظاهرة يبدأ من المنزل، إذ على الوالدين منح الأبناء فرصة الحديث، والاستماع إليهم في حال وجود أي مشكلة، وعدم توبيخهم بل منحهم الأمان أولاً، وفي حالات التنمر، سواء كان «مباشراً أو إلكترونياً» يمكن التقدم والتعاون مع إدارة المدرسة في حماية كلا الطرفين المتنمِّر والمتنمَّر عليه، والاستعانة بالجهات المعنية إذا كان التنمر «إلكترونياً»، مع ضرورة حماية الهاتف الذكي، وتطبيق الخصوصية عليه، وكذلك الحسابات الشخصية، وتفعيل إعدادات الرقابة الأبوية في جميع الأنظمة.

ملف التنمر

ملف التنمر أحد أهم الملفات التي تستحوذ على اهتمام الجهات القائمة على شأن التعليم في الإمارات، من حملات التوعية المستمرة والإجراءات القانونية الصارمة التي من شأنها أن تبطل مفعول تلك الظاهرة ومؤثراتها.

من جانبها، تعكف وزارة التربية والتعليم على إعداد دراسة بحثية عن «التنمر الإلكتروني»، إذ وجهت 19 سؤالاً لطلبة الحلقتين الثانية والثالثة في المدارس الحكومية والخاصة في هذا الشأن مؤخراً، حيث تركز الدراسة على رصد سلوكيات وممارسات الطلبة عبر الإنترنت، والتعرف إلى المنصات الرقمية والألعاب محل اهتمام الطلبة، فضلاً عن ساعات استخدام الطالب للأجهزة الإلكترونية، من أجل مساعدة المختصين وصناع القرار في وضع خطط توعوية لمجتمع التعليم، ومعالجة المشكلات الاجتماعية في البيئة المدرسية وضمان أمنها وسلامتها.

دراسات متخصصة

معظم الدراسات العالمية حيال موضوع العنف والتنمّر اتفقت على أنّه ناتج عن التفكك الأسري، والمعاملة السلبية التي تتسم بالقسوة، والإهمال، واللامبالاة، والتسلط، والتساهل، والرفض، والحرمان العاطفي، إضافةً إلى مشاهدة العنف في المنزل.

وكشفت بيانات وتقارير «اليونسكو» الأخيرة، عن أن هناك واحداً من بين كل ثلاثة طلاب يتعرّض لهجمات مرة واحدة على الأقل شهرياً، وواحد من كل 10 يسقط ضحية للتنمّر الإلكتروني، الذي يزداد بشكل «مزعج»، لاسيما مع الاستخدام المفرط للإنترنت، فأصبحت وسائل الحماية واجباً «إلزامياً».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/36rsret2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"