«ظلّ يسقط على الجدار»

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

لا يمكن للمتابع للمشهد الإبداعي في منطقة الخليج العربي، وعلى مستوى الخريطة الأدبية العربية عامة، إلا أن يلحظ علامات نهضة أدبية لافتة في سلطنة عمان، ومن ذلك ما يناله أدباء وأديبات عمان من جوائز أدبية مرموقة خلال السنوات القليلة الماضية، كنيل رواية «سيدات القمر» لجوخة الحارثي جائزة «البوكر» العالمية، في نسختها المترجمة إلى الإنجليزية، وفي العام الماضي تأهلت رواية «دلشاد» لبشرى خلفان إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، أما في هذا العام فقد فازت «تغريبة القافر» لزهران القاسمي بهذه الجائزة.
الإنجاز الأدبي، والإبداعي عامة، لأي بلد لا يقاس فقط بما يناله أدباؤه من جوائز، فحتى في عمان نفسها تجارب إبداعية مهمة أخرى، سواء في مجالات الرواية والشعر والقصة القصيرة، وفي هذه الأخيرة أيضاً ثمة أسماء عمانية مبدعة، ولن أعطي أمثلة لأني أخشى أن يفوتني سهواً بعضها، وهناك أيضاً أسماء مؤهلة أكاديمياً تشتغل على النقد الأدبي والبحث العلمي بصفة عامة.
لهذا التقديم علاقة بالإشارة التي سنأتي الآن على عرضها لكتاب «ظلّ يسقط على الجدار» للكاتبة العمانية منى حبراس، الذي صنّفته مؤلفته في خانة «نصوص»، وهو تصنيف صحيح في المجمل، لكننا سننظر إلى هذه المحتويات بصفتها من أجمل نماذج المقالة الأدبية والفكرية، التي تتوخى الإيجاز والتكثيف، لكن بحمولة فكرية ودلالية، لذا لن يكون مفاجئاً حين نعلم أن منى حبراس نالت جائزة السلطان قابوس، وهي بدورها من الجوائز العربية المرموقة، عن فن المقالة، خاصة أن الكاتبة درست الدكتوراه في المغرب، وتأثرت كثيراً بمنهج وأسلوب كتّاب بارزين فيه بينهم المفكر عبد الفتاح كليطو.
عجالة مثل هذه لن تفي هذا الكتاب حتى النزر اليسير من حقه، لكن لا يمكن إغفال أن الكاتبة في نصوصها وظّفت بجمال ذاكرتها الشخصية، وهي طفلة وتلميذة وطالبة في الجامعة، مضفية العذوبة على نصوصها التي تحضر فيها النساء بكثافة: أمها، جدّتها، ميمونة، زينة، أسما، وسواهن من نساء كبيرات في السن عرفتهن الكاتبة وجمعتها معهن ذكريات لا تنسى، لنستشف مما حكته مقادير الطيبة والبساطة والحكمة والتفاني فيهن.
تختتم الكاتبة مقالها عن الفنان الكويتي الراحل عبد الكريم عبد القادر بشطر من أشهر أغانيه يقول: «يا منى الروح والعين»، وشعرت أن هذه العبارة هي خير وصف لمحتوى هذا الكتاب، فاسم مؤلفته هو منى، ونصوصه جمعت بين ما يلامس الروح بعمق، فيما تحضر فيه، وبقوّة، عين الكاتبة الراصدة والملتقطة لأكثر التفاصيل دقة ورهافة، هي القائلة في أحد نصوص الكتاب: «أنا لا أخاف الموت، لكني أخاف العمى».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4nnc5m8b

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"