الثعلب العجوز

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

لدى هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي في عهدي الرئيسين نيكسون وفورد كل المهارات التي تؤهله لأن يصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، لولا ثغرة قانونية حالت بينه وأن يكون رئيساً، هي أنه ليس مولوداً في الولايات المتحدة، فالرجل الذي بلغ اليوم مئة عام من العمر، ولد في العام 1923 في ألمانيا، وأصبح أمريكياً لأن عائلته هربت إليها من ألمانيا النازية، حتى أنه لا يزال يتحدث الإنجليزية بلكنة ألمانية، وبالمناسبة فإن هذا ينطبق على أول وزيرة للخارجية في تاريخ أمريكا مادلين أولبرايت، المهاجرة من تشيكوسلوفاكيا، والتي كان يمكن لها، لولا هذا العائق، أن تترشح لرئاسة أمريكا وربما تفوز بها، ولكنها ولدت في براغ، ومثل عائلة كيسنجر فرّت عائلتها إلى لندن عشيّة غزو النازيين لبلدها، قبل أن تستقر في الولايات المتحدة، لتصبح، لاحقاً، وزيرة للخارجية.
عاد كيسنجر، وهو ينهي قرناً كاملاً من عمره إلى الأضواء، فرغم تقدّم سنه لايزال الرجل على قدر كبير من التركيز الذهني الذي جعل المراقبين يصفونه ب«الثعلب العجوز»، وسمي بالثعلب للدهاء الذي طبع سيرته السياسية، وهي مسيرة أظهر فيها إخلاصاً وولاءً كليّاً لمصالح الدولة العميقة في أمريكا، لذلك فإنه متورط في نهج نال من حقوق ومصالح شعوب أخرى، ومن ذلك حملة القصف السرية التي قامت بها إدارة نيكسون ضد كمبوديا وأدت إلى صعود منظمة «الخمير الحمر» التي قتلت قرابة مليوني شخص، وهو المدبر الأكبر للإطاحة برئيس تشيلي المنتخب ديمقراطياً سلفادور ألليندي عام 1973 وساعد في صعود الدكتاتور بينوشيه الذي قتلت حكومته وعذّبت الآلاف، حتى أن السيناتور الديمقراطي الشهير بيرني ساندرز يعتبر كيسنجر «أكثر وزير خارجية تدميراً في التاريخ الحديث».
على الأرجح من موقع هذا الوفاء لما يحسبه مصالح أمريكا العليا، عبّر كيسنجر مراراً عن ملاحظات انتقادية لنهج إدارات أمريكية متعاقبة، ومن ذلك نقده للطريقة التي تدير بها الإدارة الحالية، وحلفاؤها الغربيون عامة، الخلاف مع روسيا، والحرب الدائرة في أوكرانيا، حيث اعتبر التوجه نحو ضمّ الأخيرة إلى حلف الناتو خطأ فادحاً، جعل روسيا تشعر بأن أمنها بات في خطر حقيقي، فتمدد الحلف إلى تخومها الشرقية بمثابة حصار متعدد الأوجه لها، بل ودعا أوكرانيا إلى التنازل عن بعض أراضيها. ورغم الانتقادات التي جوبه بها هذا الرأي اعتبر مسؤول أمريكي مخضرم أن تفكير كيسنجر يتطلب «تقييماً عقلانياً بعيداً عن العاطفة».
في تفسير دراسته الجامعية للفلسفة قال كيسنجر إنه فعل ذلك لا حباً في أفلاطون، وإنما لأن الفلسفة لا تترك خلية في الدماغ عاطلة عن العمل.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/894dpu4s

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"