عادي

الكتب المهجورة

00:30 صباحا
قراءة 7 دقائق
1

الشارقة: علاء الدين محمود

 

كثيرة هي الأسباب التي نسمعها حول تراجع معدلات القراءة في أقطارنا العربية، البعض يذهب إلى ضغوط الحياة وعصر السرعة وثقافة اللهاث التي باتت تنتاب الجميع ولا تترك لهم أي وقت يخصصونه للقراءة، ولكن في مقابل ذلك هناك ظاهرة ذلك الوقت الطويل الذي يضيعه الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي. البعض الآخر يؤكد أن المسألة ترتبط بالتربية، فمن لم يتعلم الإمساك بالكتاب في طفولته فإنه لن يقرأ طوال عمره، فضلاً عن عوامل أخرى تتعلق بالتربية والأسرة..إلخ، الأسباب عديدة لا نمل من تكرارها، وفي هذا الملف من «الخليج الثقافي» نلقي الضوء على أبرز هذه الأسباب، مع إضاءات على كيفية زيادة معدلات القراءة.

هل القراءة عملية صعبة؟ ذلك السؤال ربما يقود إلى حقائق مهمة في ما يتعلق بعزوف أجيال الشباب والمستقبل عن الإقبال بصورة كبيرة على القراءة، خاصة في ظل وجود مغريات كثيرة في عصر التقدم التكنولوجي والثورة الرقمية والمعلوماتية، حيث لم تعد القراءة عادة اجتماعية وثقافية، كما هي في الماضي، عندما كانت تنتشر أندية القراءة، بالتالي انصرف القراء نحو الأجهزة الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي نسبة للسهولة التي تتمتع بها أكثر من القراءة التي تحتاج إلى صبر وجلَد، ذلك ما أشار إليه عدد من المثقفين الذين تحدثوا إلى «الخليج»، والذين أكدوا أن أساليب وطرق القراءة قد تعددت، وأعلنت عن عهد جديد مع المعرفة.

«القراءة أهم عناصر ديمومة الفكر واستمرار الحضارة البشرية»، هكذا تحدثت الشاعرة والكاتبة الهنوف محمد، التي أكدت أهمية فعل الاطلاع وتحصيل المعارف في بناء الأمم، كما شددت على ضرورتها كغذاء للروح، وكذلك على صحة الأبدان، حيث إن من يقرأ فهو بلا شك يبدع ويحافظ على ذاكرته من أمراض الخرف، فالمطالعة هي الإكسير الأول للصحة الفكرية والعقلية للمتلقي، كما أن التخلف والانغلاق هو حالة تنتج عن العزوف عن القراءة، فالإنسان الذي يقبل على المعارف تجده دائماً منفتحاً على الآخر، وعلى ثقافات الشعوب المختلفة، فلئن أراد العالم أن يحارب التخلف والإرهاب والانغلاق فعليه أن يشجع على القراءة.

وذكرت الهنوف أن ما تشهده الساحة الثقافية، في ما يتعلق بالموقف العام من القراءة، يشعر بأن هنالك عزوفاً عن ممارسة هذا الفعل المهم والجميل، لكن يبدو أن الصورة غير ذلك، أو هي ليست دقيقة حيال هذا الأمر، حيث إن العزوف تحديداً، هو تجاه القراءة غير المتخصصة، أو الموسوعية، حيث إن هنالك ارتفاعاً في مستوى الاطلاع في القضايا المتخصصة؛ أي المجال الذي يتخصص فيه الفرد، بالتالي هنالك، بالفعل، تراجع على مستوى القراءة العامة، ولكن في المقابل يقبل الطلاب والأكاديميون على الاطلاع في تخصصاتهم، وذلك قاد إلى عزوف حقيقي عن الأقبال على الاطلاع في المعارف الأخرى خارج دائرة التخصص، وتلك مشكلة حقيقية.

الصورة

وتواصل الهنوف تفصيلها في مسألة أشكال وأنواع الاطلاع، وتوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تهيمن على مفهوم القراءة، حيث إن الانكباب على البحث في كتب التنمية الذاتية والبشرية، أصبح بديلاً عن الاقبال على المؤلفات الأدبية والفكرية والمعرفية الأخرى، لافتة إلى أن الكتاب الإلكتروني دخل بقوة في معادلة القراءة، بالنسبة للجيل الجديد بصورة خاصة، والذي بات يقبل بصورة كبيرة على الأجهزة الإلكترونية والأنترنت، لذلك يبدو طبيعياً أن يميل هذا الجيل نحو القراءة الإلكترونية، ويستمتع بها أكثر من الورقية، التي ربما يجدها مملة بعض الشيء، خاصة أن الطلاب في المدارس والجامعات باتوا يعتمدون على تلك الأجهزة، بالتالي فإن الطلاب من الأجيال الجديدة لم يعتادوا على التعامل مع المؤلفات الورقية.

وذكرت الهنوف أن التعليم التفاعلي، بات هو الآخر ينتشر بصورة كبيرة، وباتت العلاقة بالورق قليلة، ويصبح من المهم أن تكون هنالك رقابة على القراءة الإلكترونية، لأن المعلومات التي يأخذها الطلاب والقراء من الأجيال الجديدة من تلك المواقع المنتشرة غير موثوقة وغير آمنة، وهذه واحدة من المشاكل الكثيرة للاطلاع الإلكتروني.

وأشارت الهنوف إلى ضرورة الاهتمام، أو إعادة الاعتبار للقراءة، إضافة إلى المشاريع القرائية المتنوعة، ولابد من توجه من قبل كل أركان المجتمع تجاه تعزيز وتعميق فعل القراءة، مع تبيين وتوضيح أهميته في حياة الإنسان والمجتمع، ولئن سادت أندية وجمعيات القراءة في السابق، فمن الممكن صناعة أنشطة شبيهة عبر الاستفادة من الهواتف والأجهزة الإلكترونية من خلال المجموعات و«الجروبات»، المعنية بالقراءة.

صعوبة

الروائية والكاتبة عائشة عبد الله، عددت أسباباً كثيرة للعزوف عن القراءة، منها انتشار الأجهزة الحديثة، والاهتمام بما يجري في مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت تأخذ جل وقت الناس بمختلف فئاتهم العمرية، كما ظهرت، بواسطة التقنيات الحديثة، الكثير من أشكال المعارف الأخرى غير التي ينالها الإنسان عبر القراءة، بتالي بات الناس يبتعدون عن الاطلاع، ويكتفون بأوقاتهم في المشاهدة والاستمتاع بالعالم الافتراضي.

وأكدت عبد الله، أن وجود هذه الأجهزة والتقنيات الحديثة التي تتميز بالسهولة في استخدامها، جعلت الكثير من الناس يركنون إلى الكسل، ويجدون في عملية القراءة صعوبة، فهي تحتاج إلى التركيز والجلوس لوقت طويل، بعكس الوقت الذي يقضيه المرء في موقع التواصل الاجتماعي، فهو لا يتطلب كيفية معينة، كما أن هنالك متعة الصورة والصوت، وغيرها من المغريات.

ولفتت عبد الله، إلى أن المدارس في السابق كانت تهتم بعملية القراءة بصورة كبيرة، بينما نجد اليوم أن الواقع قد تغير كثيراً، حيث قلت حصص الاطلاع والتعبير والبلاغة، وكادت أن تغيب الأنشطة المتعلقة بالمسرح، وغير ذلك من الإبداعات المهمة التي تسهم في تكوين وتشكيل أجيال من القراء والمتلقين، حيث إن القراءة نفسها تعتمد على تدريب الناس عليها بحيث تصبح عادة يومية في المدارس والجامعات وأماكن العمل.

فقدان الشغف

وتقول عبد الله: «لم يعد هنالك شغف بالقراءة، لقد أخذتهم الحياة الحديثة بعيداً عن الكتب والمؤلفات، واتجهوا نحو الأجهزة والشرائح الإلكترونية كبديل للكتاب الذي بات مهجوراً، وذلك من شأنه أن يضيع الكثير من المعارف».

وتضع عبد الله، العديد من الأفكار من أجل أن تصبح القراءة جاذبة، منها الاهتمام بالاطلاع في المدارس تحديداً فتلك هي البداية المهمة في صناعة القراء، فلابد من عودة الحصص المتخصصة وإلزام الطالب بكتاب يقرأه، ويلخص تجربته مع ما قرأه ويقدمه لبقية الطلاب، حيث إن حصص التعبير والاطلاع تنمي في الطالب ملكة التركيز، كما أن من الضروري الاهتمام بالمسابقات مثل «تحدي القراءة»، والعمل على تعميم تجربتها بحيث تشمل الكبار كذلك، كما يجب على المؤسسات التعلمية والثقافية تخصيص يوم للقراءة للعمال والموظفين.

غ ير أن الكاتبة والروائية فتحية النمر، تحمل فكرة أخرى عما يجري بشأن الاطلاع، حيث أوضحت أن طريقة القراءة نفسها قد اختلفت عما كان يجري في السابق، وربما ذلك ما جعل البعض يعتقد أن هنالك عزوفاً كاملاً عن القراءة، إذ إن الأجيال الجديدة، وحتى الكبار، يمارسون فعل الاطلاع بشكل مغاير، حيث إنهم يفضلون ثقافة الصورة، خاصة بعد الانتشار المهول لمواقع التواصل الاجتماعي، والمتخصصة، التي ظهرت عقب الثورة الرقمية والمعلوماتية، وهذه الصورة لا تكون فارغة، بل مملوءة بالمعارف، وهم يحصلون عليها بوسائل متعددة، بالتالي، فإن هنالك إقبالاً بالفعل، على القراءة ولكن بمفاهيم جديدة، حيث تنحت تلك القديمة عن المشهد، أو كادت.

وتقول النمر: «اليوم لم يعد المتلقي بحاجة إلى مكان محدد ليقرأ، ولا لوقت معين، فهو يقرأ في كل وقت، وفي كل مكان، في السيارة في المجالس والأندية والمطاعم وبيوت الأصحاب والكلية والعمل، وفي كل مكان تقريباً»، مشيرة إلى أن إنسان اليوم، بهذه الكيفية، هو يقرأ أكثر من ذي قبل، غير أنه يمارس هذا الفعل بشروطه، إذ إنه يفضل المحتوى المختصر الذي قد لا يحصل عليه في المكتبات، وفي أماكن العلم والمعرفة، كمعارض الكتب والندوات والمحاضرات، هو يكفيه الهاتف ذلك الجهاز الحميم والعجيب الذي بين يديه حتى وهو نائم، فهو يعرف جيداً استخداماته وتطبيقاته التي بموجبها يحصل على المادة التي يرغب فيها بالكيفية التي يحبذها، فليس في حاجة لقراءة كتاب من مئات الصفحات، فهناك تطبيقات تلخص له المئة صفحة في خمس دقائق مسموعة ومشوقة، ويحصل على المعلومات المهمة حول أي حقل من الحقول الدراسية والعملية والمهنية بنفس الطريقة والسرعة.

وتؤكد النمر، في حديثها، أن هنالك عزوفاً عن القراءة بالفعل، ولكن عن الطريقة القديمة في القراءة، فالمتلقي اليوم، لا يريد أن يضيع وقته في المشي على طريقة آبائه وأجداده، والتي تحتم عليه أن يقطع مشوار المئات من الصفحات ليحصل على جملة أو فقرة هي كل حاجته، وتشدد النمر على ضرورة تشجيع الأجيال الجديدة على هذه الطريقة التي يرونها في تحصيل معارفهم، بدلاً عن الحزن والأسف على حالهم، حيث إن طريقتهم في القراءة هي مناسبة لهذا العصر الذي يتسم بالسرعة وتنتشر فيه أدوات التكنولوجيا الحديثة.

وترى النمر أنه لا ضير في تقوية اتصال هذا الجيل الجديد بعالم القراءة على الطريقة القديمة، لكن بجملة من الشروط والأفكار، مثل: تغيير طريقة إخراج الكتب، والإبداع في الترويج والتسويق، والدعم عبر تخفيض أسعار المؤلفات، وجعل العناوين مشوقة وجاذبة، وبمحتويات ذات قيمة لديهم ترتبط بحياتهم العملية، فهي في هذه الحالة تفيدهم وتدفعهم على النهل من المعارف.

ولفتت النمر، إلى أهمية اعتماد الكتب ذات الحجم الصغير، والتي تحتوي على العصارة والخلاصة، لمن لا وقت لديه للقراءة، بينما =يتم توجيه المؤلفات ذات الصفحات الكثيرة لأجيال الكبار من عشاق الوراق والمطابع ورائحة الحبر؛ أي التوجه رويدا رويدا نحو جعل الكتب صغيرة وتتناسب مع روح العصر.

غياب العمق

من جانبه ذكر الناشر والشاعر علي الشعالي، أن قراءة التسلية والترفيه، رغم أهميتها، قد قضت على القراءة العلمية والمنهجية، لافتاً إلى أهمية القراءة المتعمقة بالنسبة للمتلقي، بحيث تخدم مشروعه المستقبلي، أن أراد أن يصبح كاتباً، أو أديباً، أو مفكراً، وغير ذلك، ولابد أن يضع المتلقي خطة للقراءة حتى لا تكون بطريقة عشوائية.

ولفت الشعالي أن الأسباب الرئيسية التي من الممكن أن تكون مسؤولة من العزوف عن القراءة، إن وجد، فهو ذلك الانتشار الكبير للأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وعدم قدرة الإنسان على إلزام نفسه للجلوس لساعات من أجل القراءة المتعمقة، كما أن مفهوم القراءة نفسه لا يبدو متعمقاً لدى الجيل الحالي، حيث إن الفائدة المرجوة من القراءة لا تبدو واضحة بالنسبة إليه.

وذكر الشعالي، أن القراءة تشهد في الوقت الحالي أفضل أوقاتها في الإمارات، نسبة للاهتمام الكبير من قبل الدولة، مشيراً إلى أن هنالك إقبالاً على القراءة في الشبكة العنكبوتية، وعلى الرغم من أن الجيل الحالي يقرأ كثيراً، فإن السائد هو ذلك النمط من القراءة الذي يميل نحو التسلية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ydddwmp3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"